Page 225 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 225

‫في خضم الفلسفة الإسلامية وخاصة‬                                  ‫حمدي الجزار‬
‫في لحظات تجليها في مجال التصوف‪،‬‬
 ‫التي تبحث عن الحقيقة الإلهية التي‬                              ‫إن كن ِت أن ِت قد خذلتني‪،‬‬
                                                                   ‫وخذلتني‪ ،‬ونسيتني‬
   ‫تتعالى عن المشاهدة بالعين التي‬
 ‫ينبغي لها أن تشهد‪ ،‬وللكون أثر في‬                                ‫فإنني لن أبارح وقفتي‬
  ‫حياة المشاهد‪ ،‬فإذا فني ما لم يكن‪،‬‬                                         ‫بالباب(‪.)10‬‬
‫وهو فا ٍن‪ ،‬ويبقى من لم يزل وهو باق‪،‬‬
                                                              ‫فهو في ذلك ينشد صاحب‬
    ‫حينئذ تطلع شمس البرهان لإدراك‬                          ‫الملكوت الذي لا شريك له ولا‬
  ‫العيان‪ ،‬فيقع التنزه المطلق المحقق‬
 ‫في الجمال المطلق‪ ،‬وذلك عين الجمع‬                             ‫ند‪ ،‬يسبح له كل من خلق‪،‬‬
                                                           ‫ويشتاق لرؤيته كل من وعى‪،‬‬
    ‫والوجود‪ ،‬ومقام السكون والجمود‬
                                                                ‫صاحب الحكم في العالم‬
  ‫على هذا المشهد من لسان‬        ‫الله‪ ،‬وينكشف عنه حجاب‬       ‫العلوي والسفلي‪ ،‬وهو خالق‬
  ‫صاحبه المتحقق به‪ ،‬وهو‬       ‫الجهالة‪ ،‬فيرى و ُيبصر ما لا‬
 ‫لم يذقه ربما قال‪“ :‬أنا من‬      ‫يبصره الآخرون‪ .‬وفي ذلك‬                 ‫الأكوان‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫أهوى ومن أهوى أنا”‪ ،‬كما‬                                      ‫ُجمع ْت أطراف كل شيء في‬
  ‫قال الحلاج فكان مصيره‬                           ‫يقول‪:‬‬
  ‫القتل؛ لأن العامة رأت في‬       ‫عقدت الصلة مع المجهول‬                          ‫قبض ٍة‬
  ‫دعوته خرو ًجا عن أحكام‬                                           ‫و ُمدت فصارت كو ًنا‬
   ‫السنة والجماعة وخط ًرا‬                 ‫وأحسنت العقد‬
  ‫على المؤمنين‪ ..‬أما صاحب‬     ‫غفلت عن كل ضباب الأرض‬                       ‫وقيل له‪ :‬كن‬
‫السطور الأربعة فيأخذ عليه‬                                                     ‫فكان(‪.)11‬‬
  ‫إفشائه السر الصوفي إلى‬             ‫فظهر لي ما رأيت(‪)12‬‬
 ‫عامة الناس وهم لا يدرون‬         ‫وتسيطر الروح الصوفية‬      ‫وعن الكشف الصوفي تتحدث‬
                                ‫على الرباعيات بشكل عام‪،‬‬       ‫السطور الأربعة المسكونة‬
    ‫ولم يتذوقوا‪ ،‬فمن ذاق‬        ‫ولا يخلو من ذلك إشاراته‬
 ‫عرف‪ ،‬ومن عرف اغترف‪،‬‬           ‫إلى مصير من ذهب مذهبه‪،‬‬      ‫بالفلسفة‪ ،‬فالكشف الصوفي لا‬
                              ‫وهو بذلك يقصد الحسين بن‬      ‫يكون إلا بانقطاع الصوفي عن‬
   ‫فيقول في رباعية مثيرة‪:‬‬       ‫منصور الحلاج المتصوف‬       ‫الأغيار‪ ،‬أي عن كل ما هو غير‬
‫أشعلت المعارك بقول َك “أنا”‬       ‫المقتول‪ ،‬وكيف ُقتل سنة‬    ‫الله من الموجودات‪ ،‬وينشغل‬
                                ‫‪922‬هـ؛ لأنه صرح بما لا‬     ‫بالمجاهدات والعبادات ليخلص‬
   ‫ُقتل الملايين لقولك “أنا”‬   ‫بد أن ُيستر عن أكثر الخلق‪،‬‬
        ‫وفي البدء والختام‬         ‫لما فيه من العلو‪ ،‬فغوره‬        ‫القلب من كل ما يشغله‬
                              ‫بعيد‪ ،‬والتلف فيه قريب‪ ،‬فإن‬   ‫سوى الله‪ ،‬وحينئ ٍذ يرى بنور‬
    ‫ُقتل الذي قال “أنا”(‪)13‬‬      ‫من لا معرفة له بالحقائق‬
‫ولا يمكن أن نتجاهل نظرية‬        ‫ولا بامتداد الرقائق ويقف‬
 ‫“وحدة الوجود” الرشدية‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230