Page 228 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 228

‫العـدد ‪38‬‬                                           ‫‪226‬‬

                                                              ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                                   ‫د‪.‬نادية هناوي‬

   ‫موضوعيًّا للتصوير في‬         ‫لا شك أ َّن الرواية هي‬                     ‫الرواية العربية واستمالات الفلسفة‬‫(العراق)‬
‫سبيل قلب الواقع وتفكيكه‬
                              ‫الجنس الأدبي الأكثر شب ًها‬
     ‫من دون التجاوز على‬        ‫بالحياة‪ .‬وهي منذ نشأتها‬
  ‫الخطوط الحمر للفكر‪ ،‬أو‬
  ‫التخلي عن بعض الثوابت‬         ‫ُتعنى بتمثيل الفكر فيها‪،‬‬
                                 ‫معبرة عن رؤية كاتبها‬
             ‫أو المسلمات‪.‬‬      ‫التأملية في الحياة أ ًّيا كان‬
     ‫ويبقى هذا التوجه في‬         ‫معمارها السردي‪ .‬ولقد‬
   ‫الرواية العربية محدو ًدا‬  ‫درس النقد العربي المعاصر‬
     ‫وإن كان واض ًحا منذ‬      ‫كثي ًرا من الموضوعات التي‬
 ‫منتصف القرن العشرين‪.‬‬         ‫اهتمت بها الرواية العربية‪،‬‬
                                 ‫لكنه لم يعط للفلسفة في‬
       ‫والسبب لا قصدية‬         ‫علاقتها المباشرة بالرواية‬
  ‫الروائي في تطعيم السرد‬
‫بالفلسفة‪ ،‬إذ غالبا ما تأتي‬         ‫اهتما ًما مناسبًا‪ .‬وهو‬
 ‫الفكرة الفلسفية عرضية‪،‬‬            ‫الموضوع الذي يحتل‬
 ‫يختزلها على لسان إحدى‬          ‫الأولوية في النقد ما بعد‬
  ‫الشخصيات اختزا ًل فيه‬          ‫الحداثي الذي صار هو‬
‫كثير من الترميز وقليل من‬       ‫نفسه فلسف ًة أو موصو ًفا‬
                                 ‫بأنه نقد فلسفي بعدي‪.‬‬
                 ‫التجريد‪.‬‬       ‫والمتتبع للفلسفة الغربية‬
    ‫ولقد تعرضت الرواية‬       ‫سيجد أ َّن لها تأثيرات مهمة‬
‫العربية لهزات فكرية عنيفة‬    ‫على المثقف العربي ولاسيما‬
 ‫سببتها إخفاقات السياسة‬        ‫الكاتب الروائي الذي وجد‬
      ‫وفشل استراتيجيات‬         ‫في بعض طروحاتها مادة‬
    ‫راسميها‪ ،‬التي بسببها‬      ‫خصبة‪ ،‬لا للكتابة السردية‬
‫انهارت المشاريع التحررية‬     ‫المغايرة للمعتاد فحسب؛ بل‬
     ‫والتطلعات الوحدوية‬       ‫للتجريب الفني أي ًضا الذي‬
  ‫والإرهاصات النهضوية‪،‬‬           ‫به يج ِّسد الكاتب أفكاره‬
    ‫بد ًءا من نكبة فلسطين‬        ‫بطريقة حرة ونقية من‬
   ‫فنكسة حزيران وانتهاء‬        ‫شوائب التوجه السياسي‬
     ‫بحروب اللاجدوى في‬
 ‫استرداد أراضينا المحتلة‪.‬‬            ‫وانحيازات الانتماء‬
   ‫ولم يكن بوسع الروائي‬           ‫الأيديولوجي ومظاهر‬
‫العربي التعبير عن صدمته‬
 ‫سوى بروايات فيها للفكر‬                ‫الوعظ والإرشاد‪.‬‬
   ‫دور جديد يتعدى النظر‬               ‫ولقد مارس بعض‬
   ‫للواقع برمزية إلى إعادة‬   ‫الروائيين العرب ‪-‬ولاسيما‬
 ‫النظر بواقعية جديدة فيها‬        ‫أولئك الذين تخصصوا‬
  ‫بعض التجريد والتمنطق‬       ‫بالفلسفة‪ ،-‬تجريد الفكر من‬
                              ‫الترميز والتغريب والتشيؤ‬
                ‫الفكريين‪.‬‬      ‫جاعلين من التأمل معاد ًل‬
      ‫والروائي العربي إذ‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233