Page 74 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 74

‫إبداع ومبدعون‬                                         ‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪72‬‬

‫قصــة‬                                                 ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫سمير المنزلاوى‬

‫المغادرة‬

 ‫أما نحن فكانت أفكارنا أعجب‪ ،‬هل تحرجهم وتظل‬            ‫حين ملأ السائق ذو السترة الزرقاء آلتنا الروسية‬
     ‫ساكنة كالميت‪ ،‬أم يركبها الغرور فتدور وتلقي‬       ‫‪-‬شبيهة الباخرة‪ -‬بالوقود‪ ،‬لم يكن أحد قد رآها من‬
                        ‫دقي ًقا وتبنًا تحت الأقدام؟‬
                                                            ‫قبل تحصد القمح وتذروه وتطحنه كما قيل‪.‬‬
   ‫ثمة عصفور يرفرف فوقها بعناد‪ ،‬ويهمس الولد‬              ‫عاشت عمرها‪ ‬هامدة بجوار الجمعية‪ ،‬على جانبها‬
   ‫فوزي بأن عشه في داخلها يحوي ثلاث بيضات‬
                                                                              ‫صورة يدين تتصافحان‪.‬‬
                                       ‫مرقشة!‬             ‫تلفحها شمس الصيف فتحمر وتصفر‪ ،‬ثم تأتي‬
    ‫برد طوبة يلسع العيون‪ ،‬ومن بعيد يمكن رؤية‬
    ‫نسوة يرقبن على الأسطح‪ ،‬يلعب الريح بأغطية‬                  ‫رياح وأمطار الشتاء فتصير دكناء شائهة‪.‬‬
   ‫رؤوسهن‪ .‬بيتنا بعيد؛ لا يمكن لأمي أن تستمتع‬            ‫نلعب فوقها طول الوقت‪ ،‬نعبث‪ ،‬نحدق في اليدين‬
 ‫الآن بداهيتها وهى تغور‪ .‬كذبنا أعيننا حين ضغط‬
   ‫ز ًّرا‪ ،‬فزأرت صو ًتا مبحو ًحا‪ ،‬انجلى وتناثر الصدأ‬                                     ‫المتصافحتين‪.‬‬
  ‫كالقمل‪ ،‬وقفز الهواء من القواديس كالمارد ساخنًا‬          ‫حاول الولد يسري أن يقطع اتصالهما بمسمار‬
‫يحمل دوامات ترابية‪ .‬اندفعت الآلة تهرول من الملل‪،‬‬
     ‫وجرت فوقها بالطباشير الباهت عبارات مثل‪:‬‬                  ‫ففشل‪ .‬تمتلئ يداي وملابسي بتراب أغبر‪،‬‬
‫أحمد يحب بدرية‪ ،‬تسقط الصهيونية‪ ،‬بلد ليس فيها‬                                 ‫فتسحبني أمي إلى الحمام‪:‬‬
                                                                             ‫‪ -‬متى تغور هذه الداهية؟‬
                                          ‫رجل‪.‬‬
 ‫كما جرى معها عش العصفور الذي رفرف فوقها‬               ‫كان ذو السترة الزرقاء يلصق ابتسامة لا تتحرك‪،‬‬
                                                            ‫في عينيه حزن واستكبار‪ ،‬وبصحبته جنديان‬
                                      ‫كالمجنون‪.‬‬                                              ‫وضابط‪.‬‬
‫انكشف ستر الفئران والعرس والسحالي والخنافس‬                 ‫لم يجرؤ أحد على الهمس‪ ،‬حتى العمدة الحائر‬
‫والصراصير المفزوعة‪ ،‬واندلع قتال حول غنيمة من‬
                                                          ‫كطفل‪ ،‬كان يعاني أفكا ًرا عجيبة‪ ،‬ماذا جنت هذه‬
                                                       ‫الكومة من الحديد الصدئ لتأتي الحكومة وتقبض‬

                                                                                               ‫عليها؟‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79