Page 225 - merit
P. 225

‫‪223‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

    ‫فكانوا مختلفين بالطبع‪ .‬فعلي‬          ‫في شكل عنقود العنب وتزين‬        ‫الكوفي ينسب العمامة الي صاحبها‬
    ‫سبيل المثال ملابس عمرو بن‬          ‫معصمها بأساور سميكة تنتهي‬              ‫«سويل بن موسى»‪ ،‬ويؤرخ‬
    ‫العاص يصفها الواقدي قائ ًل‪:‬‬       ‫برأس حية من كل ناحية‪ ،‬ويزين‬            ‫صناعتها عام ‪88‬هـ‪ .‬وتتألف‬
  ‫عليه من فوق درعه جبة صوف‬                                                   ‫زخارف الشريط الحمراء من‬
‫وعلى رأسه عمامه من صنع اليمن‬              ‫الجيد والعنق عقد من الخرز‬
 ‫مصبوغة صفراء وقد أدارها على‬              ‫الدقيق الملون‪ ،‬وأحيا ًنا تلبس‬  ‫مناطق‪ ،‬وفي كل منها رسم حمامة‬
    ‫رأسه كو ًرا وأرخي لها غذبة‪،‬‬         ‫الخلخال الفضي حول قدميها‪.‬‬          ‫محمورة عن الطبيعة يفصل كل‬
     ‫وفي وسطه منطقة ميور وقد‬            ‫أما ال َّشعر فكانت تصففه المرأة‬
 ‫تقلد سيفه ورمحه‪ ،‬وظل على تلك‬        ‫المصرية بعدة طرق أبرزها تجعيد‬       ‫منطقة عن الأخرى رسم هندسي‪.‬‬
  ‫الهيئة وهو متوجه لأمير الروم‬       ‫خصلات الشعر على هيئة بلح مع‬           ‫كل هذا طبيعي‪ ،‬فالمصريون هم‬
    ‫في مباحثات ثنائية‪ .‬حينما رآه‬        ‫رفعه إلى أعلى وتزيينه بشرائط‬       ‫أصحاب الحضارة المتجسدة في‬
   ‫الترجمان ضحك‪ ،‬فقال عمرو‪:‬‬            ‫ملونة‪ .‬الملابس كانت من الكتان‬        ‫الصناعات والفنون‪ ،‬والتي كان‬
     ‫لما تضحك يا أخا النصرانية‪،‬‬      ‫الأبيض المشغول بالصوف الملون‪،‬‬            ‫يفتقدها هؤلاء القادمون من‬
  ‫قال من دناءة زيك وحملك لهذا‬        ‫وخصو ًصا اللون الأرجواني الذي‬                             ‫الصحراء‪.‬‬
 ‫السلاح‪ ،‬ما الذي تحمله وما تريد‬       ‫كان أعجوبة ذلك الزمان‪ .‬ويطرز‬
 ‫حر ًبا؟ قال عمرو إن العرب حمل‬            ‫الثوب حول الرقبة والأكمام‬      ‫الحضارة المصرية غطت تفاصيلها‬
     ‫السلاح شعارها وهو طاؤها‬                                             ‫شتَّى مناحي الحياة‪ ،‬طب وصيدلة‬
‫ودثارها وإنما حمل ُت السلاح معي‬             ‫بزخارف مصرية مأخوذة‬
‫استظها ًرا لي على عدوي‪ ،‬ولعلي أن‬          ‫من مفردات الطبيعة المصرية‬        ‫وكيمياء وحساب‪ ،‬كما تجلت في‬
 ‫ألقى عندكم حر ًبا فيكون السلاح‬          ‫مثل الأعناب وزهور اللوتس‪،‬‬         ‫فنون العمارة والبناء والزخرفة‬
                                         ‫وبزخارف هندسية دقيقة من‬         ‫والخشب المطعم بالصدف‪ ،‬والذي‬
                     ‫حصنًا لي‪.‬‬       ‫خطوط ومربعات ودواير متداخلة‬           ‫نسبه العرب فيما بعد لأنفسهم‬
  ‫أدرك ابن العاص فداحة الفرق‬
  ‫بين ملابسه وملابس الرومان‪،‬‬                               ‫ومتكررة‪.‬‬           ‫واشتهر باسم «الأرابيسك»‪.‬‬
 ‫ففرض على المصريين ‪-‬إلى جانب‬                                                  ‫بالإضافة إلى صياغة المعادن‬
   ‫ما يؤدونه من الجزية والخراج‬       ‫هذه الاختلافات الجوهرية‬             ‫وصناعة أدوات النجارة والزراعة‬
                                      ‫في درجة التحضر والعلم‬               ‫التي لا زالت ُتستخدم حتى الآن‬
     ‫وواجب الضيافة والمحاصيل‬         ‫التي انعكست على العمارة‬              ‫مثل الساقية والشادوف والمنجل‬
 ‫العينية‪ -‬أن يقدموا لكل رجل من‬
                                            ‫والفنون والتحنيط‬                                    ‫وغيرها‪.‬‬
    ‫أصحابه دينا ًرا وجبة وبرن ًسا‬       ‫والزراعة وخلافه‪ ..‬هل‬              ‫وقد أجاد الأقباط (أي المصريين)‬
        ‫وعمامة وخفين كما يقول‬
                      ‫المقريزي‪.‬‬           ‫انعكست على الملامح‬                  ‫صناعة ‪ 7‬أصناف من الورق‬
                                          ‫والمعاملات اليومية؟‬            ‫للكتابة‪ ،‬مما يدل على مدى ازدهار‬
‫في صحراء الجزيرة كانت البيوت‬
 ‫نادرة‪ ،‬وإن وجدت فهي بالتأكيد‬         ‫نعم كان جز ًءا من تقاليد مصرية‬        ‫العلوم الكتابية التي اهتمت بها‬
                                       ‫الحضارة المصرية‪ ،‬تمسك الفكر‬          ‫الكنيسة على وجه الخصوص‪.‬‬
      ‫ليست مثل بيوت المصريين‬
‫صانعي الحضارة‪ ،‬البيت المصري‬               ‫القبطي بزوجة واحدة للأبد‪،‬‬              ‫كما ستلاحظ هذا الفارق‬
‫كان مختل ًفا‪ ،‬فكان مقس ًما إلى فناء‬    ‫واعتبر الجمع بين زوجتين زنا‪،‬‬        ‫الحضاري في الملابس بالتأكيد‪.‬‬
                                       ‫كما حرم التس ِّري‪ ،‬وكما جاء في‬
  ‫واسع وحجرة استقبال واسعة‪،‬‬            ‫قوانين المجمع الصفوي‪ :‬من له‬           ‫فالسيدة ماريا القبطية زوجة‬
  ‫وغرفة للتخزين وحظائر خلفية‬                                                  ‫سيدنا النبي (ص) كما تقول‬
    ‫وفرن‪ ،‬وفي الفناء تقف الزيور‬         ‫امرأة واحدة ويجامع مملوكته‬           ‫المرويات العربية‪ ،‬كانت تتزين‬
 ‫الفخارية في الأركان ممتلئة بمياه‬    ‫يعاقب‪ .‬أما القادمين من الصحراء‬         ‫بطريقة المصريات المتوارثة من‬
                                                                          ‫أمهاتهن‪ ،‬حيث يستخدمن الكحل‬
                                                                             ‫للرموش واللون الأزرق حول‬
                                                                           ‫العينين والأحمر للوجه‪ .‬وتضع‬
                                                                         ‫الحلق المخرطة في أذنيها أو أقرا ًطا‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230