Page 226 - merit
P. 226

‫في باب حملة العلم من العلماء‬                              ‫العـدد ‪44‬‬                        ‫‪224‬‬
  ‫أثناء الإمبراطورية الاستعمارية‬
                                                                           ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬      ‫النيل العذبة‪ ،‬كما تمتلئ غرف‬
    ‫العربية‪« :‬من الغريب أن حملة‬                                                            ‫التخزين بشتى أنواع الجرار‬
   ‫العلم أكثرهم العجم‪ .‬وليس في‬            ‫قبائل البدو غير المستقرة أي‬                    ‫الفخارية وأواني المنزل وأدوات‬
    ‫العرب حملة علم لا في العلوم‬                             ‫حضارة‪.‬‬                      ‫الطبخ دقيقة الصنع‪ ..‬وفي الكثير‬
‫الشرعية (أي في الدين الإسلامي)‬                                                          ‫من البيوت يحتل النول الخشبي‬
‫ولا في العلوم العقلية إلا في القليل‬   ‫لذلك نشأت الحضارات في مصر‬                             ‫والمغزل وخيوط الكتان ركنًا‬
    ‫النادر»‪ ،‬وهذا يفسر أن هؤلاء‬      ‫والشام والعراق وفارس (إيران)‪.‬‬                         ‫ها ًّما تصنع فيه المرأة القبطية‬
    ‫الغزاة احتلوا البلاد المتحضرة‬      ‫يقول ابن خلدون ‪-‬وهو مسلم‪-‬‬                            ‫ثياب عائلتها ومفارش بيتها‬
 ‫الغنية في الشام والعراق وفارس‬                                                           ‫وستائره وأغطية الوسائد‪ ،‬وفي‬
 ‫ومصر وشمال أفريقيا والأندلس‬            ‫في مقدمته الشهيرة «إن العرب‬                        ‫بعض الأحيان يذهب إنتاجها‬
                                      ‫إذا تغ َلّبوا على أوطان أسرع إليها‬                  ‫إلى السوق لتوفير بعض المال‪،‬‬
      ‫وأوروبا فيما بعد‪ .‬لم تذهب‬      ‫الخراب‪ ،‬والسبب في ذلك أنهم أمة‬                    ‫بجانب مشاركتها في أعمال الحقل‬
     ‫جيوشهم لـ»الجهاد» و»نشر‬         ‫وحشية باستحكام عوائد التوحش‬                         ‫والزراعة‪ .‬وكانت بعض الفتيات‬
     ‫الإسلام» كما ي َّدعون في بلاد‬      ‫وأسبابه فيهم‪ ،‬فصار لهم ُخلُ ًقا‬                     ‫يعملن في معاصر النبيذ وفي‬
                                                                                       ‫مصانع القرية الصغيرة وصوامع‬
             ‫أفريقية فقيرة مث ًل!‬         ‫و ِجبِ َلّة‪ ،‬وكان عندهم ملذو ًذا‬               ‫الغلال‪ ،‬كما يشاركن في مواسم‬
                                          ‫لما فيه من الخروج عن ربقة‬                      ‫جمع الكروم التي تغطي القرية‬
 ‫ولماذا لا تعتبر الإسلام –‬             ‫الحكم‪ ،‬وعدم الانقياد للسياسة‪،‬‬                        ‫ببهجتها اثناء عمليات جمعه‬
 ‫كدين‪ -‬كان بوتقة أنتجت‬                   ‫وهذه الطبيعة منافية للعمران‬                      ‫وتحميله على الجمال ونقله الي‬
 ‫هذه الحضارة وإن انتمى‬                 ‫ومناقضة له‪ ..‬فتبقى الرعايا في‬
                                      ‫م ْلكتهم كأنها فوضى دون حكم‪،‬‬                                      ‫معاصر النبيذ‪.‬‬
      ‫صانعوها إلى أعراق‬                ‫والفوضى مهلكة للبشر مفسدة‬                           ‫أما البيوت في ذلك الوقت في‬
  ‫غير عربية؟ مع ملاحظة‬                  ‫للعمران‪ .‬وأي ًضا هم متنافسون‬                      ‫الجزيرة العربية فمعظمها كان‬
                                        ‫في الرئاسة‪ ،‬وق َّل أن ُيسلِم أحد‬               ‫متواض ًعا وفقي ًرا‪ ،‬مبنية من الطين‬
    ‫أن نتاجهم كان باللغة‬                ‫منهم الأمر لغيره ولو كان أباه‬                       ‫وجريد النخل وعليه مسوح‬
 ‫العربية‪ ،‬واللغة حاضنة‬                 ‫أو أخاه أو كبير عشيرته‪ ،‬إلا في‬                      ‫شعر سوداء‪ ،‬والنساء يسرن‬
                                      ‫الأقل‪ ،‬وعلى ُك ْره من أجل الحياء‪،‬‬                  ‫تحت أغطية سوداء‪ .‬هذا الفارق‬
      ‫حضارية كما تعلم‪.‬‬                   ‫فيتع َّدد الحكام منهم والأمراء‪،‬‬               ‫الحضاري الضخم بين المصريين‬
                                        ‫وتختلف الأيدي على الرعية في‬
  ‫أي دين لا يصنع حضارة‪ ،‬فهو‬          ‫الجباية والأحكام‪ ،‬فيفسد العمران‬                         ‫وأهل الجزيرة العربية كان‬
     ‫جز ًء منها وليس صان ًعا لها‪.‬‬                                                                              ‫طبيعيًّا‪.‬‬
                                                          ‫وينتقض»‪.‬‬
‫والدليل أن الجزيرة كان بها يهود‬      ‫هذا بعكس مجتمع زراعي مستقر‪.‬‬                         ‫الا تعتقد أن هذا الطرح‬
‫ومسيحيون ولم يصنعوا حضارة‪،‬‬                                                                        ‫فيه عنصرية؟‬
‫في حين أن يهود ومسيحيي مصر‬              ‫ثم إن هذه الطبائع التي تحدث‬
‫والشام والعراق صنعوا حضارة‪.‬‬              ‫عنها ابن خلدون ليست أبدية‪،‬‬                    ‫بالقطع لا‪ ،‬نحن نتحدث عن عرب‬
                                       ‫لكنها مرتبطة بفكرة القبائل غير‬                   ‫ذلك الزمان‪ ،‬وليس العرب في كل‬
     ‫والمصريون القدماء أصحاب‬             ‫المستقرة‪ ،‬التي ينتقل معظمها‬                    ‫زمان‪ ،‬المصريون كانوا يعيشون‬
 ‫الديانات غير الإبراهيمية صنعوا‬         ‫من مكان إلى آخر بحثًا عن الماء‬                  ‫بجوار نهر ساعدهم في بناء هذه‬
                                      ‫والزرع‪ ،‬كما أنها قبائل متحاربة‬                    ‫الحضارة العظيمة‪ .‬في حين يكاد‬
                ‫حضارة عظيمة‪.‬‬
 ‫ثانيًا‪ :‬إذا كان هذا صحيح‪ ،‬فلماذا‬          ‫للاستيلاء على الماء والزرع‪.‬‬                   ‫يكون من المستحيل أن تؤسس‬
                                        ‫ومن الطبيعي أن هذا النوع من‬
   ‫لم يؤسس هؤلاء الغزاة العرب‬          ‫المجتمعات يعلي قيمة الحرب على‬
     ‫«المسلمون» حضار ًة وعمرا ًنا‬       ‫السلام‪ ،‬ويعلي قيمة النهب على‬
   ‫في بلدانهم الأصلية في الجزيرة‬
                                                         ‫العمل‪ ..‬إلخ‪.‬‬
                                          ‫يقول ابن خلدون في مقدمته‬
   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231