Page 111 - merit agust 2022
P. 111

‫‪109‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

     ‫قصــة‬

                                 ‫شمس عنتر‬

                                            ‫(سوريا)‬

                     ‫ُمهشم الأرواح‬

‫الأطفال يصدقون الوعود ولا ينسونها‪ ،‬ويرفضون‬          ‫فتتوا الوطن ليرشقوا العدو‪.‬‬
  ‫التأجيل غير مدركين صعوبة أن تكون جرة الغاز‬        ‫غادة السمان‬
 ‫فارغة أو جيب والدهم فارغ‪ ،‬المهم ألا تكون كرتهم‬
                                                    ‫جث ْت إلى جانب سريره وتأمل ْت ملامحه التي تنضح‬
              ‫فارغة من الهواء‪ ،‬هم يطلبون وكفى!‬        ‫بالبراءة وبالغ ْت في تغطيته‪ ،‬كمن تخفي كنزها عن‬
  ‫جددت له وعدها ودس ْت في يده الصغيرة شطيرة‬            ‫اللصوص‪ ،‬كالسلحفاة مد رأسه من تحت الدرقة‬
‫ملفوفة بعناية‪ ،‬فقضمها وركض خلف كرته الهاربة‬                                       ‫صار ًخا‪ :‬هذا ثقيل!‬
                                                      ‫لكنها اكتف ْت بابتسامة وتوجهت إلى خارج الدار‪،‬‬
                       ‫من ضربة قدمه الصغيرة‪.‬‬           ‫مد ْت نظرها إلى الشمال‪ ،‬رياح باردة ورؤية تلك‬
      ‫خرج الجد الطاعن في الأوجاع‪ ،‬مترهل القلب‪،‬‬       ‫الأضواء تصفعها‪ ،‬تنهدت بحرقة‪ ،‬رفعت نظرها إلى‬
 ‫مهترئ الروح‪ ،‬لم يجتز سور الدار المسيج بأحجار‬                                               ‫السماء‪:‬‬
                                                                       ‫‪ -‬يالله! كيف ستهدأ خواطرنا؟‬
              ‫مرصوصة تؤنس إحداهما الأخرى‪.‬‬              ‫حتى النجوم تتحدانا بلمعانها! يا رب! إنه كانون‬
 ‫جلس على قارعة الشتاء‪ ،‬بمعية البرد منتظ ًرا المطر‪.‬‬                               ‫الثاني وليس أيلول‪.‬‬
  ‫تكنس الأم حدود تلك اللوحة القاتمة التي خلفتها‬        ‫التربة حمراء على مد النظر وكأن قدم التركي قد‬
                                                        ‫دعسته فأبت الحشائش أن تنمو فيه‪ .‬أطنان من‬
                              ‫المداخن أمام الدار‪.‬‬                                  ‫المخاوف تنهشها‪.‬‬
    ‫العمة تنشر الغسيل المثقل بالماء على ذلك الحبل‬    ‫كان ْت قد سمع ْت من نشرة الأخبار‪“ :‬حركة القوات‬
                                                       ‫التركية على الحدود مريبة‪ ،‬لكن القوات الروسية‬
      ‫المعقد بعقد متقاربة‪ ،‬والذي ارتخى حتى تكاد‬          ‫برفقتها”‪ ،‬فرددت الجملة الأخيرة كمن تطمئن‬
‫الملابس أن تقبِّل الأرض‪ ،‬وكلب هزيل ينبش التراب‬                                              ‫نفسها‪.‬‬
                                                      ‫وانشق ثوب العتمة‪ ،‬فدب ْت الحياة في المنزل‪ ،‬والأم‬
                                         ‫بكسل‪.‬‬         ‫كالشمس تنشر أشعتها في كل زاوية‪ ،‬لكنها حين‬
 ‫فجأة دوى صوت رهيب‪ ،‬فانتفض الطفل مذعو ًرا‪.‬‬               ‫لململت شعرها الكثيف لسع ذاكرتها ذلك الحلم‬
                                                     ‫الشنيع‪ ،‬لقد رأت نفسها صلعاء تما ًما وهي تركض‬
     ‫كانت الحياة في تلك اللحظات في طريقها لتفقد‬          ‫معاكسة الحشود السائرة إلى المجهول‪ .‬انقبض‬
              ‫قداستها ونقاءها وتتوشح بالرذيلة!‬       ‫قلبها وانقلب ْت سحنتها‪ ،‬فتمتمت تردد بعض الآيات‬
                         ‫استدار صار ًخا‪ :‬ماما‪..‬‬      ‫والأدعية‪ .‬أقبل الصغير نحوها ُمذ ِّك ًرا إياها بوعدها‬
                                                                               ‫بشراء كرة جديدة له‪.‬‬
      ‫فإذا بأفراد أسرته مسربلين بالدماء‪ ،‬الجحيم‬
    ‫فتح أبوابه وأصبح الأفق مشتع ًل بالنار‪ ،‬حاول‬
   ‫أن يركض‪ ،‬قذيفة غادرة تربصت به ورفعته عن‬
  ‫الأرض كطائر ذبيح حتى اقترب من الشمس التي‬
 ‫تبقعت بالدماء‪ ،‬من هناك شاهد دارهم وقد تحولت‬
‫إلى ركام‪ ،‬شعر بخفة جسده‪ ،‬فساقه تطير بعي ًدا عنه‬
‫ثم تهبط إلى جانب كرته المبعوجة‪ ،‬وتدحرجت فردة‬

                  ‫حذائه لتستقر ببركة من الدماء‪.‬‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116