Page 107 - merit agust 2022
P. 107

‫‪105‬‬  ‫الإبداع الكردي‬

     ‫قصــة‬

   ‫في أن ينتقم منها بطريقة ما‪ ،‬فالبيت خا ٍل لا أحد فيه‪،‬‬        ‫أعجب ُت بك كثي ًرا‪ ،‬وودد ُت أن أقول لك‪ :‬أمام عمي وجدي‬
‫أبوه وأمه وإخوته وأخواته كلهم خارج المنزل‪ ،‬ليس فيه‬                                   ‫كم أنا معجبة بك وبرجولتك‪.‬‬
‫غيره‪ ،‬وثمة غر ٌف كثيرة‪ ،‬فض ًل عن أن الدار كلها محاطة‬
‫إما بحائطة عا ٍل‪ ،‬وإ َّما ببعض الغرف الأخرى المخصصة‬              ‫تأمل مستغر ًبا كيف لفتاة في جمال البدر أن تقول مثل‬
 ‫للحيوانات أو مخازن للحبوب وعلف الحيوان أو‪ ..‬أو‪،..‬‬              ‫هذه الكلمات لشا ٍب أصغر منها بثلاث أو أربع سنوات؟‬
 ‫لكنه قرر أن يخرج من غرفة الصالون إلى الخارج حتى‬              ‫وهو لم يم ِض على بلوغه الحلم‪ ،‬فقبل هذا الحادث بشهرين‬
                                                                 ‫فقط انتهى من امتحانات الصف التاسع‪ .‬وسأل نفسه‪:‬‬
  ‫لا تغريه تلك الشيطانة بنظرات عينيها الجذابتين‪ ،‬قرر‬            ‫“هل أنا حقيقة أبدو هكذا‪ ،‬هل بوسعي جذب انتباه فتاة‬
‫ألا يعطيها حتى فرصة الكلام معه كي لا يضعف أمامها‬
                                                                                           ‫رائعة إلى هذا الحد؟”‪.‬‬
                                         ‫ثانية‪.‬‬                   ‫تذ َّكر كيف أنه في اليوم التالي أسرع إلى مكان عملهم‪،‬‬
‫غادر الصالون‪ ،‬وفتح الباب ووقف في الخارج‪ ،‬فوصلت‬                 ‫حيث اللقاء الأول‪ ،‬وكيف قدمت له الماء البارد في صيفهم‬
  ‫هى إلى باب الصالون بثقة‪ ،‬لكنه خرج وش َّد الباب معه‬
 ‫وأغلقه فإذا هما في الخارج‪ ،‬قال لها ومن دون مقدمات‪:‬‬                                     ‫الحار ج ًّدا؟ وقالت لأختها‪:‬‬
                                                                                          ‫‪ -‬ابتعدي من هنا قلي ًل‪.‬‬
   ‫‪ -‬أمي ليست في البيت‪ ،‬وأنا وحدي ولا أستقبل أح ًدا‬                                         ‫ثم التفتت إليه قائل ًة‪:‬‬
                                 ‫فعندي دراسة‪.‬‬
                                                              ‫‪ -‬أنا لا أستطيع أن أخفي مشاعري عنك أكثر من ذلك‪ ،‬أنا‬
‫نظرت إليه بعينيه الزبلاوتين محاولة إغراءه وجذبه نحو‬           ‫أحبك بكل صراحة! وأنا لا أتصور أن أعيش في دنيا لس َت‬
 ‫كنوز جمالها‪ ،‬لكنه مشى نحو الباب الخارجي للدار بلا‬
                                                                                                         ‫فيها!‬
                       ‫مبالاة ليرغمها على الخروج‪.‬‬              ‫تكررت تلك المواقف في مرات عدة خلال أقل من شهرين‬
    ‫أدركت أنه يطردها من الدار بقوة‪ .‬واستحضرت ما‬
‫فعلته به قبل ثلاث سنوات‪ ،‬كيف حطمت قلبه‪ ،‬وجرحت‬                                   ‫أو ثلاثة أشهر؟ همست له ذات يوم‪:‬‬
 ‫مشاعره‪ ،‬وعذبته عذا ًبا شدي ًدا‪ ،‬كأنها أدركت أنه يرفض‬           ‫‪ -‬أرى في يدك خات ًما من فضة‪ ،‬لماذا لا تضعه في يدي؟!‬
 ‫أن يصافحها ثانية؛ لأنها خانته وض َّحت بحبه الصادق‬              ‫كأنك خطبتني من أهلي‪ ،‬أريد شيئًا رمز ًّيا يجمعنا ويربط‬

                                       ‫العفيف‪.‬‬                                                ‫قلبينا برباط الحب!‬
  ‫أدارت ظهرها بخيبة ظاهرة وتوجهت إلى خارج المنزل‬                ‫تصور تلك اللحظات وهو يخرج خاتمه من يده ليلبسها‬
‫يعتصر قلبها ألم وحسرة وندامة‪ ،‬وعلمت أنه رماها كما‬               ‫إياه فتهيم طر ًبا لذلك كأنهما أصبحا لبعضهما فع ًل‪ .‬لقد‬
‫يرمي العاب ُر مندي ًل مستخد ًما‪ .‬أصبحت الآن لا قيمة لها‬          ‫أهداها أكثر من هدية ولكنها كانت هدايا بسيطة لفقره‬
   ‫بعد أن تركها ذلك الشاب وتزوج من إحدى قريباته‪.‬‬
                                                                  ‫ولضيق ذات يده‪ ،‬ومع ذلك فهي تبهجها و ُتف ِرح قلبها‬
                     ‫أما هو فبدأ يكلِّم نفسه ويقول‪:‬‬                                                   ‫العاشق‪.‬‬
                     ‫“فلتعلم الساقطة قيمة نفسها‪.‬‬
                  ‫وليعتصر قلبها حز ًنا وألمًا وأ ًسى!‬           ‫بعد مدة من زمن الغياب صدمته المفاجأة حين رآها مع‬
                     ‫الجزاء من جنس العمل! هههه‪.‬‬                ‫شا ٍب آخر‪ ،‬أكبر منه في العمر‪ ،‬وشعر بأنها قد رتبت هذا‬
                ‫فلتذهب إلى بيتها ولتب ِك كثي ًرا كثي ًرا!‬      ‫اللقاء قص ًدا كي تثير الفتنة بينهما‪ ،‬وأظهرت له بذلك أنها‬
‫أما أنا فأشكر الله ‪-‬تعالى‪ -‬أن أدركني برحمته فعصمني‬
               ‫من الوقوع في حبائل هذه الشيطانة”‪.‬‬                 ‫لا تريده هو‪ ،‬وإنما تريد الآخر الذي كان يلبي رغباتها‬
  ‫كل هذا لم يكن في أكثر من ثلاث أو أربع دقائق طافت‬                            ‫ويتفاعل معها ويستجيب لطموحاتها؟‬
 ‫فيها الذاكرة حول فضاء الحدث واسترجعته‪ ،‬وللذاكرة‬
    ‫منطقها وأحوالها وحالاتها‪ ،‬إ َّنه نوع من حلم اليقظة‬        ‫كم صدمه ذلك الموقف‪ ،‬وكم شعر بالحزن‪ ،‬والألم‪ ،‬وأدرك‬
  ‫يتج َّول المرء فيه ح ًّرا في أرجاء الزمن المنصرم لكنَّه ما‬  ‫أنها كانت تقضي معه تلك الأيام له ًوا وتسلي ًة حتى عثرت‬
‫يلبث أن يعود إلى زمنه حيث الهموم التي لها أول وليس‬            ‫على مبتغاها أخي ًرا‪ .‬انكسر قلبه الصغير الذي لم يهنأ كثي ًرا‬
            ‫لها آخر‪ ،‬ويقفل نافذة الذاكرة حتى حين‪.‬‬              ‫بكلماتها الجذابة‪ ،‬ومنطقها الحلو‪ ،‬وكيف أنه أصبح يحقد‬

                                                                                   ‫على أغلب النساء بسبب خيانتها‪.‬‬
                                                                ‫م َّر وقت طويل حتى سمع صوتها وهي تنادي‪( :‬زوجة‬
                                                                 ‫عمي فلانة) من جديد‪ ،‬حتى أسرع هو الآخر إلى المرآة‬
                                                                 ‫المعلقة على جدار غرفة الصالون؛ ليم ِّشط شعره‪ ،‬وف َّكر‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112