Page 104 - merit agust 2022
P. 104

‫العـدد ‪44‬‬                         ‫‪102‬‬

                                                              ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

‫ريبر هبون‬

‫(ألمانيا)‬

‫هل هذا هو الموت ح ًّقا؟!‬

      ‫شك ًل صار ًخا من أشكال الألم النفسي أشبه‬         ‫وقت اخترقت رصاصة القناص جبينه‪ ،‬بدت الحياة‬
 ‫بالكابوس الجاثم الذي يرافقه طنين أذن حاد‪ ،‬لكنه‬        ‫في نظره شمعة خافتة توشك على الانطفاء إلا قلي ًل‪،‬‬
‫يعجز عن قول ما يجري لأنه في عرف الأحياء ميت‪،‬‬           ‫طنين ما لبث أن ازداد حدة في أذنيه وتلاشت طاقته‬
                                                        ‫مع سقوطه المترجل‪ ،‬حتى لقي حتفه‪ ،‬ومع أنفاسه‬
                             ‫راح يقول في نفسه‪:‬‬
                        ‫‪ -‬هل هذا هو الموت ح ًّقا؟‬            ‫المتهالكة البطيئة عرف أن الموت يقول له أه ًل‬
   ‫أن تسمع ولا ترى‪ ،‬أن تشعر ولا يحس بك أحد‪،‬‬            ‫وسه ًل بك يا نزيل عالم الفناء‪ ،‬صعق بشيء لم يكن‬
   ‫وإلى متى سيستمر ذلك‪ ،‬إلى الأبد؟ لا أعتقد‪ ،‬فأنا‬       ‫في البال‪ ،‬أنه مغمض العينين متوقف الأنفاس بارد‬
 ‫كغيري الذي يموت لا يعرف شيئًا‪ ،‬فما عرفناه عن‬          ‫الجسم‪ ،‬لكنه يسمع ما حوله‪ :‬ولولات أخته‪ ،‬انقطاع‬
 ‫الموت وقت كنا أحياء مثير للضحك‪ ،‬بل كل تكهنات‬
‫الأديان وتفسيرات المادية الجدلية هراء في هراء‪ ،‬من‬        ‫أنفاس أمه المريضة بالسكر‪ ،‬بكاء والده الذي ظل‬
‫عاد من الموت حيًّا؟ لا أحد‪ ،‬ربما عليَّ أن أنتظر نفوق‬   ‫يكرر‪ :‬لم يكن هذا أوان موتك يا بني‪ ،‬أنا الذي وجب‬
‫جسدي‪ ،‬بعد ذلك سيذوب اللحم مع الوقت ويتيبس‬
                                                        ‫أن يموت قبلك‪ ،‬انهض يا وليد‪ ،‬لم أشبع من حملك‬
                                      ‫ويتخشب‪.‬‬              ‫وأنت طفل لكثرة أسفاري‪ ،‬كنت أسعى لرزقكم‬
     ‫ظل من عشاق الفلسفة ورأى في حمل السلاح‬
   ‫والدفاع عن أرضه من خطر الجماعات التكفيرية‬            ‫وأهرب من شبح العوز والحاجة للناس من الشام‬
 ‫مبدأ أسا ًسا في صون وجوده ووجود قومه وأهله‪،‬‬            ‫لبيروت‪ ،‬من بيروت للأردن‪ ،‬من الأردن لليبيا‪ ،‬لقد‬
   ‫فكان قراره بحمل السلاح قرا ًرا فلسفيًّا إنسانيًّا‪،‬‬
  ‫وليد لم يكن يهتم كثي ًرا بالموت‪ ،‬كان يردد ما قاله‬       ‫ولدت في ‪ ،1991‬لكنه بالنسبة لي البارحة‪ ،‬كيف؟‬
‫محمود درويش حين يكون لا أكون‪ ،‬لكنه الآن كائن‬               ‫‪ -‬مضت الأيام يا ولدي‪ ،‬وماذا فعل بي موتك؟‬
‫بحكم الموت‪ ،‬يسمع فقط ولا يرى إلا ما رآه قبل أن‬              ‫وليد الشاب ابن الثلاثين سنة‪ ،‬يسمع ولولات‬
  ‫يموت‪ ،‬هو الآن لا يأكل ولا يشرب ولا يتبول ولا‬            ‫وكلمات وحسرات من حوله جي ًدا كأنه لم يمت‪،‬‬
   ‫يتغوط‪ ،‬هذه باتت من الماضي الآن‪ ،‬الماضي الذي‬            ‫كأن الموت هنا غشاوة على عيون الأحياء‪ ،‬إلا أنه‬
                                                          ‫يسمع جي ًدا ما يدور ولا يرى إنما يحس‪ ،‬فقط لا‬
                                                            ‫يستطيع فتح عينيه‪ ،‬لا يستطيع قول حقيقة ما‬
                                                           ‫يجري معه وهو في العالم الآخر‪ ،‬إن ذلك يعتبر‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109