Page 108 - merit agust 2022
P. 108

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪106‬‬

                                                    ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

‫عامر فرسو‬

‫(سوريا‪ -‬عامودا)‬

‫الهاربون‬

     ‫كان ريزان قد خطط لهروبه من الوطن بشكل‬                                         ‫فتح قو ًسا وكتب‪:‬‬
      ‫مدروس وممنهج‪ ،‬فبعد صدور كتابه البحثي‬            ‫(كل ما يقال عن الله في هذه البلاد ليس صحي ًحا؛‬
       ‫الأول عن «تاريخ الثورات الشعبية في القرن‬     ‫فالله ليس رحي ًما بعباده‪ ،‬ولا هو رزاق مبين‪ ،‬وأولو‬
‫الحادي والعشرين»؛ قد أصبح‪ ،‬ولا سيما في الآونة‬          ‫الأمر في هذه البلاد ُس َّراق وف َّساق لا مثيل لهم)‪.‬‬
    ‫الأخيرة‪ ،‬صدي ًقا افتراضيًّا لأشخاص متنوعين‪،‬‬     ‫أقفل القوس ثم ضغط أيقونة النشر أسفل المنشور‪.‬‬
     ‫يمكن تصنيفهم ضمن تيارات سياسية ودينية‬
     ‫متعددة‪ ،‬وجلها متعصبة ومتطرفة‪ ،‬ولهذا فقد‬             ‫كانت الساعة حينها تشير إلى السابعة وخمس‬
 ‫استقبل منشوره الأخير في هذا الصباح بامتعاض‪،‬‬         ‫وخمسين دقيقة صبا ًحا‪ ،‬رفع نظره صوب البوابة‬
     ‫واستنكار من المتشددين دينيًّا وقوميًّا‪ ،‬وتمت‬    ‫الرئيسة‪ ،‬كانت لا تزال مغلقة‪ ،‬وحركة الحراس قد‬
 ‫مشاركة منشوره خلال نصف ساعة بشكل هائل‪،‬‬
 ‫وتم تداوله على نطاق واسع ُمذ َّي ًل بعبارات الشتم‬     ‫بدت كما العادة‪ ،‬في حين كان الموظفون المدنيون‬
                                                                         ‫يلتحقون بدوامهم الصباحي‪.‬‬
                              ‫والتهديد والوعيد‪.‬‬
     ‫لا يخفى عليكم‪ ،‬كان ريزان قد خطط لكل هذا‪،‬‬            ‫خمس دقائق مرت‪ ،‬وعينه تنتقل بين إشعارات‬
     ‫وسعى لحدوث هذا الأمر‪ ،‬وها هي الساعة قد‬                          ‫الهاتف وحركة البوابة الحدودية‪.‬‬
    ‫بلغت الثامنة وسبع وثلاثين دقيقة‪ ،‬ولا يفصله‬
  ‫عن دخول الأراضي اللبنانية سوى بضع دقائق‪،‬‬             ‫ها هو الآن على حدود لبنان يحمل حقيبة جلدية‬
  ‫وحينها بإمكانه متابعة تنفيذ خطته‪ ،‬ولكن أصبح‬              ‫بنية اللون صغيرة الحجم‪ ،‬فيها بضع أغلفة‬
‫القلق يساوره كلما ارتفعت الشمس‪ ،‬وبوابة الحدود‬
  ‫موصدة‪ ،‬ولا حركة لموظفي البوابة الحدودية تنم‬       ‫نايلونية لاصقة‪ ،‬قد احتفظ فيها بأزهار برية يابسة‪،‬‬
     ‫عن البدء بإجراءات الدخول والخروج المعتادة‪.‬‬        ‫جمعها منذ عدة سنوات من برية قريته المتسلقة‬
      ‫ما الأمر؟ يسأل ريزان نفسه بقلق‪ ،‬ولكن من‬            ‫سهوب جبال بلاده المحتجزة خلف سكة قطار‬
  ‫سيطمئن باله؟! تجاسر على السؤال‪ ،‬واقترب من‬            ‫بغداد؛ السكة الحديدية التي شقت جسد الأرض‬
  ‫حارس يتكئ على سور البوابة‪ ،‬وهو يتابع دخان‬            ‫إلى (سر خت وبن خت)*‪ ،‬إلى جانب بضع صور‬
                                                          ‫عائلية‪ ،‬تعود لنهاية ثمانينيات القرن الماضي‪،‬‬
                            ‫لفافة تبغه في الهواء‪.‬‬      ‫وبضعة أرقام للهواتف الضرورية مدونة بزيادة‬
            ‫‪ -‬صباح الخير‪ ..‬متى يمكننا المغادرة؟‬        ‫رقمين في المنتصف للتمويه‪ ،‬وتحسبًا لأي طارئ‬

                                                     ‫قد يصيب هاتفه المحمول‪ .‬وكذلك دفتر ملاحظات‪،‬‬
                                                    ‫وقلمي رصاص‪ ،‬ومبلغ بسيط ج ًّدا من المال بالعملة‬

                                                                                          ‫السورية‪.‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113