Page 14 - merit agust 2022
P. 14

‫القصصي متخيل؛ فإن القصة تظل‬                      ‫لا خلاف أ َّن كل النصوص الإبداعية‬

‫ممهورة بالقصيدة كقيمة تعبيرية دلالية‬             ‫منذ هوميروس إلى اليوم هي عبارة‬
‫شكلية وموضوعية وبلا تنميط نحوي أو‬

‫عن خطابات لها حاضنتها ولها شكلي‪.‬‬
‫ومن المؤشرات البنائية على هذا الكون‬
         ‫القصصي المتخيل ما يأتي‪:‬‬                 ‫مرجعياتها‪ .‬ولا وجود لنص بكر‬

‫‪ -‬أن ابن جودة ميت حاضر في القصيدة‬                ‫يؤسس خطابه ويأخذ قالبه وهو‬

  ‫بوصفه هو المرثي‪ ،‬وهو نفسه الميت‬                ‫بلا مرجع أو حاضنة‪ ،‬بيد أن الجديد‬
‫في القصة لكن بإضافة اسم خلف إليه‬

‫وبجعله شخصية ثانوية تساند شخصية‬                  ‫في قصة (الإقامة على الأرض) هو أن‬

‫كريم كصنو أو توأم‪ ،‬مان ًحا إياه التطور‪.‬‬          ‫المرجع والحاضن صارا واح ًدا هما عبارة‬
  ‫والقصة تبدأ والسارد العليم يسترجع‬

‫زمن قدوم كريم إلى برلين كما كان‬                  ‫عن قاعدة هي قصيدة تفعيلة‪ ،‬وبناء‬

    ‫ابن جودة قد أتى إليها قبله بعشرين‬            ‫بطبقات هو قصة قصيرة كاشفت‬
   ‫عا ًما مستبطنًا دواخله «منذ حطت به‬              ‫القارئ منذ افتتاحها مؤكدة أن‬
‫الطائرة‪ ،‬في ثمانينيات القرن العشرين‪،‬‬

‫في مطار برلين؛ حط داخله وحل في‬                   ‫حاضنتها قصيدة شعرية‪.‬‬
‫ذهنه (خلف بن جودة) الذي حط في‬

‫ذات المطار في ستينيات القرن ذاته‪،‬‬

‫وانبثقت في وجدانه أبيات شاعره‬

      ‫الراثي‪ ،‬بمقبرة خلف برلين يرقد‬                   ‫ولا خلاف أ َّن كل النصوص الإبداعية منذ‬
     ‫طفل من النخل قيل استراح ابن جودة (هل‬        ‫هوميروس إلى اليوم هي عبارة عن خطابات لها‬
   ‫سأستريح كما استراح في قبره البرليني؟)»‪.‬‬       ‫حاضنتها ولها مرجعياتها‪ .‬ولا وجود لنص بكر‬
                                                  ‫يؤسس خطابه ويأخذ قالبه وهو بلا مرجع أو‬
        ‫‪ -‬علاقة الشاعر بابن جودة علاقة صداقة‬
   ‫بينما علاقة كريم بالشخصيتين (ندى ورشيد)‬         ‫حاضنة‪ ،‬بيد أن الجديد في قصة (الإقامة على‬
                                                  ‫الأرض) هو أن المرجع والحاضن صارا واح ًدا‬
     ‫والشخصية الغائبة (الشاعر) هي علاقة أكثر‬      ‫هما عبارة عن قاعدة هي قصيدة تفعيلة‪ ،‬وبناء‬
   ‫تعقي ًدا‪ .‬إنها علاقة حب ومصير ووطن‪ ،‬وهو ما‬      ‫بطبقات هو قصة قصيرة كاشفت القارئ منذ‬
     ‫يتوضح في توبيخ زوجة كريم الألمانية «كانت‬      ‫افتتاحها مؤكدة أن حاضنتها قصيدة شعرية‪.‬‬
                                                  ‫وهذا ما يجعلها بالضبط خطا ًبا عاب ًرا للخطاب‬
        ‫الألمانية توبخه‪ ،‬وتعيره‪ ،‬لا ببطالته بل‬     ‫(‪ )transdiscursive‬كما يقول ميشيل فوكو‪.‬‬
  ‫بالاشتراكية التي أفنى حياته من أجلها والتي‬
  ‫انهارت بلمح البصر‪ ،‬كانت تقول ذلك بسعادة‬        ‫ومن الممكنات التمثيلية أي ًضا ما في القصة من‬
‫بل ومناكدة‪ ،‬تذكره أنه من بلد نفطي‪ ،‬بلد رخاء‪،‬‬     ‫علاقا ٍت منها تشكل كونها القصصي المتخيل‬

                 ‫فلماذا اختار الشقاء وهجره»‪.‬‬         ‫زمكانيًّا‪ ،‬وفيها السارد يمارس دوره في توجيه‬
‫‪ -‬ابن جودة في القصيدة فلاح سمع الشاعر بموته‬           ‫الشخصيات ورسم منعطفات واقعها‪ ،‬واض ًعا‬
                                                 ‫العقبات التي بها يتعرج مسار السرد فيتعقد الحبك‬
  ‫وهو في موسكو فرثاه مستذك ًرا قريته الجنوبية‬
‫محاو ًل «الإمساك بالوجه الطفولي الذي كانه»(‪)4‬‬
‫لكن ابن جودة في القصة صنو غريب وأبدي يذ ِّكر‬

  ‫كريم بإخفاقاته بد ًءا من هجرته ثم اعتماده على‬   ‫وتتأزم الأحداث وتصبح الشخصيات أكثر توت ًرا‬
‫راتب زوجته التقاعدي الضئيل إلى حلمه أن يكون‬      ‫أمام ضغوط الواقع‪ .‬وعلى الرغم من أن هذا الكون‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19