Page 15 - merit agust 2022
P. 15
13 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ميشيل فوكو حسب الشيخ جعفر شاع ًرا ،وانتها ًء بعدوى الوباء التي انتهت به إلى
مصير مجهول.
َع َب َرت القصة على القصيدة.
-توظيف المنظور الخارجي external -الذهول والسرحان هما الصفة النفسية التي
perspectiveهو الطاغي على القصيدة «الصبية كررها السارد باستبطانات ومونولوجات داخلية
الشاحبون المهازيل ينتظرون /اهدئي عند جرفك وحوارات حرة غير مباشرة ضمن فضاء تخيم عليه
أيتها الموجة /قمصانهم ..تخفق الريح فيها/ أجواء القصيدة المرثاة بسطر هنا وأسطر هناك كما
القروي المهاجر /جرائد سرية طعمها الخبز في هذا المقطع «ربما لتخفف عني ،لا أظنها بهذا
يغمش في الشاي /هل يهجر النخلة الطير في الانبساط في أعماقها ..أربعون عا ًما وما فتئ
الفجر»( )7وهو ما أعطى القصيدة سمة واقعية
وفيها الصوت الحاكي موضوعي بضمير الغائب يخفق في أطماره القروي المهاجر».
وهو مراقب معزول عن الشخصية التي بينها وبينه -الإقامة بالنسبة لابن جودة تعني المكوث
بتكرار الشاعر هذين السطرين ثلاث مرات داخل
فجوة. القصيدة «استراح ابن جودة هل يذكر السرو
بينما المنظور الداخلي internal perspectiveهو منحن ًيا /فوق قبر ابن جودة طفلين في النخل
الطاغي على القصة وهو ما أعطاها سمة غرائبية يحتطبان؟»( ،)5بينما الإقامة تعني لكريم التلاشي
ذات رؤية ملغزة هي عادة ما تكون نفسية داخلية والضياع ولهذا لا يكون ابن جودة مرثيًا مستري ًحا
في القصة بل هو وكريم مرثيان ..ومصير الأخير
وتظهر في مشاعر الشخصية وأفكارها النابعة أكثر تعاسة من مصير الأول الذي حظي بقبر
من أزمتها العاطفية من خلال الاستبطان «تملأ بينما كريم لم يحظ بقبر مثله بعد أن صار جثما ًنا
أعماقه راحة ..دعة ..هناءة ..افتقر إليها منذ موبو ًءا لا بد من حرقه «تخرج النقالة من الرواق،
زمن ضارب في البعد لم تكن (بييرنيتا) السبب يخرج خلفها الملفعان بالأزرق الشفيف ..ينفتح
الأوحد لذلك» ،أو المونولوج الداخلي «هي ذي إذن فضاء خارجي ،تنفتح فسحة لم تستطع عيناها
تسمق بقامتها النحيلة كنخلة عراقية من نخيل المغوشتان بالدمع تحديد حجمها أو أبعادها..
تنفتح جهنم».
-وإذا كان صدر ابن جودة قد عبث به السخام
المتراكم من دخان القرية الجنوبية؛ فإن صدر كريم
عبث به سوء الطالع ليكون فريسة الجائحة العالمية
كورونا .ومصدورية الشخصيتين القصصية
والشعرية تجعل التعالق قائ ًما قصصيًّا على قاعدة
شعرية حيث القصة مستندة على القصيدة ،مشكلة
من وراء هذا الاستناد طبقتين بنائيتين :الأولى
سطحية هي (المرض) موصولة بعلاقات منطقية
بالبنية الثانية العميقة وهي (الموت).
وبوجود هاتين البنيتين تتحقق عملية التحول
فتتدعم المفارقة التي فيها المحتوى الإدراكي
متضاد ما بين الإقامة على الأرض واللا إقامة
عليها ،مما يعطي لرؤية العالم محمولات متوازنة
في البنية والنسيج وبإطار قصصي متناسق(.)6
وبهذه المفارقة تحررت القصة من تداخلها النصي
بالقصيدة ،وصنعت كونها المتخيل الخاص الذي به