Page 55 - TeacherAppendix
P. 55
والقصــص ،والمرو ّيات والأراجيز المرتبطة به ،وحفظت كتب التراث الشــعبي مجموعة كبيرة من المرو ّيات الشــفاه ّية
ل ُأحديات العرب المتأخرين على ظهور إبلهم ،وصهوات جيادهم.
ووجود (الحادي) من أساســيات القوافل المرتحلة في الصحراء ،وأهم أدوات الرعاة الحاذقين ،كما أ َّن مقاطع الشــعر
المستعملة للحداء تشبه مشي الجمال الهوينا ،ولو ركبت ناقة ،ومشت بك الهوينا لرأيت مشيها يشبه وزن هذا الشعر تما ًما.
و(ال ُحداء) أقرب ما يكون إلى النظم البســيط المك ّون من بيتين بقافيتين ،وبصو ٍت ُير ِّدده اثنان ،وأحيا ًنا عندما تكون
ال ّدلو التي ُيســتخرج بها الماء من الآبار كبيرة ج ًّداُ ،ير ِّدده أربع ٌة بصوت جهور ّي ،يصل أحيا ًنا في هدأة الليل أو الفجر
إلى أماكن بعيدة ،ولا يتق ّيد بلح ٍن واحد ،بل تتع ّدد ألحانه وطريقة أدائه من بيئة إلى أخرى ،وتكون ألفاظه شج ّية ،تخلب
ألباب الإبل ،ومعانيه ذات أبعاد تتع ّلق بشؤون حياة ال ُّرعاة اليومية ،وتشمل كلمات الحداء الشعرية ببساطتها وخفتها وعدد
كلماتها القليلة ،التنظيم ،والقوانين ،وطرق الســقاية ،وأهداف الرحيــل ،وحياة البادية عا ّمة ،وما يجول في نفس ال ُّرعاة
من ه ّم وشجن.
ُيعــ ُّد (ال ُحداء) موهبة تتوارثها الأجيال من ممارســيها ،مما يســمح لهم بالتواصل مع قطعــان الإبل ،التي ُتد َّرب على
الاســتجابة للأصوات ،و ُيمارس الحداء كل من الرجال والنســاء ،وهو شك ٌل من أشــكال التعبير الح ِّرُ ،مستوح ًى من النثر
والشــعر .وفي كثير من الأحيان ،يســتخدم ُممارسو ال ُحداء مجموعة فريدة من الأصوات والتعبيرات ،التي اعتادت الإبل
على ســماعها في بيئة صحراوية ،ويســتخدم الرعاة ال ُحداء؛ لتوجيه قطعان الإبل إلى مرا ٍع جديدة لإطعامها ،ومقاومة
الموت جو ًعا وعط ًشا ،حيث يح ُّث العربي الإبل بال ُحداء على الإسراع ،واجتياز المسافات البعيدة في أيام قليلة ،وبال ُحداء
تغ ّلب العرب ُّي على الصحراء الوعرة الشا َّقة ،وتغ َّلب على الأعداء في معاركه ،وحدا الفرسان فألهب حماستهم للقتال.
ولل ُحداء مناسبات مختلفة فمنهاُ :حداء الرحيل ،و ُحداء السفر ،و ُحداء سقي الإبل الذي ُيس َّمى (العوبال) ،وهناك ُحداء
ال َأ ْوبة المس َّمى عند العا ّمة (الهوبال) ،وهو خا ٌّص بجمع الإبل و َس ْو ِقها إلى مراحها أو مكان رعيها ،وهناك ُحداء السواني،
و ُيغ ّنى للإبل التي تجذب الماء من البئر؛ لتنشط في سيرها .ولم يستطع (ال ُحداء) الاستمرار في لغته الفصيحة ،فتح ّول
ال ُحداء من اللغة الفصيحة إلى اللغات الدارجة لأهل الأمصار.
وقد ُس ِّج َل ف ُّن ( ُحداء الإبل) ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقاف ِّي غير الماد ّي السعود ّي ،في من ّظمة الأمم المتحدة
للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ،كأبرز الموروثات التي مازالت ح ّية في التراث الشعب ّي.
وتحظــى الإبل بمنزل ٍة كبير ٍة في وجدان المجتمع العرب ّي عامة ،والمجتمع الســعود ّي على وجه الخصوص؛ بصفتها
إحدى أهم موروثاته الثقافية ،حيث تلقى اهتما ًما من الدولة -أيدها الله -التي اعتمدت بأم ٍر من خادم الحرمين الشريفين
الملك ســلمان بن عبد العزيز آل ســعود -حفظه الله – (ناد ًيا للإبل)ُ ،يعنى بكل ما من شــأنه الاهتمام والحفاظ على
موروث الآباء والأجداد ،وترسيخ مكانتها في نفوس الأجيال الناشئة.
55