Page 49 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 49

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫جهد الترجمة أحياًنا‪ ،‬ولم تسر في الطريق الذي سار‬                                                       ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫فيه علم الاجتماع الأمريكي‪ ،‬لنبدع عل ًما اجتماعًّيا‬
‫يعبر عن خصوصيتنا الثقافية والحضارية‪ ،‬ويفسر‬                    ‫كما تبين أن المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن‬
‫واقعنا الاجتماعي تفسيًار علمًّيا‪ ،‬لقد تمثل دارسو العلم‬        ‫العربي هم العامل الجوهري والحاسم في مسيرة العلم‬
‫الاجتماعي في أمريكا القضايا التي طرحها الرواد‪،‬‬                ‫وتطوره؛ فهم الذين يقع على عاتقهم نقل المعرفة‬
‫ومناهجهم‪ ،‬ثم بحثوا عن هوية جديدة تميز علم الاجتماع‬            ‫وإنتاجها وتفسيرها وإعادة إنتاجها مرة أخرى واستهلاكها‬
‫عندهم عن علم الاجتماع الأوروبي وتؤكد أصالته؛‬
‫فاتجهوا إلى الد ارسات الميدانية‪ ،‬واعتمدوا على المسح‬                     ‫وتقديمها إلى متخذي الق ارر وإقناعهم بها‪.‬‬
‫الاجتماعي‪ ،‬والبحوث التفسيرية في الريف والحضر‪،‬‬
‫والأسرة والمصنع والمدرسة‪ ،‬ووصفوا وفسروا السلوك‬                ‫كما تبين أن بداية علم الاجتماع على يد الرواد‬
‫السوي‪ ،‬والسلوك المنحرف‪ ،‬واعتمدوا على التحليل‬                  ‫الأوائل من المشتغلين بعلم الاجتماع كانت بداية‬
‫الإحصائي للبيانات الرقمية عن المجتمع الأمريكي‪،‬‬                ‫قوية وجادة مخلصة اهتمت بترجمة الأعمال الكاملة‬
‫خاصة وأن علم الاجتماع بصفته عل ًما تصوي ًرّيا كما‬             ‫لرواد علم الاجتماع الفرنسي عامة‪ ،‬وكانت المؤلفات‬
‫يقول هابرماس وملتزًما بخط الطلب الاجتماعي الذي‬                ‫التي تصدر بالعربية ارئدة لنقل الموضوعات والقضايا‬
‫هو طلب أداتي خاص بالمؤسسات العامة والخاصة‪،‬‬                    ‫والأفكار التي طرحها دوركايم وأتباع مدرسته إلى‬
‫وكذلك بالثقافة الصناعية يهتم أكثر فأكثر بالتوقعات‬             ‫دارسي علم الاجتماع في العالم العربي‪ ،‬وكان هؤلاء‬
‫ويجمع المعطيات الميدانية ويحللها ويفسرها‪ ،‬ويهتم‬               ‫الرواد من أنصار تنوير العقل‪ ،‬وتعريف الطلاب‬
‫بالتنظيم أما الإمكانية الأخرى فإنها تكمن في تطوير‬             ‫والق ارء بفكر عصر التنوير‪ ،‬كما كانوا يسعون إلى‬
‫نظرية نقدية تكون بمثابة تحليل الحالات الاجتماعية‬              ‫إعداد جيل من الباحثين الاجتماعيين المسلحين‬
‫المرضية في الساحات العامة من أجل الالت ازم في‬                 ‫بالثقافة العلمية يسهم في د ارسة أحوال هذا المجتمع‬
                                                              ‫والنهوض به‪ ،‬وبالتالي قدم هؤلاء الرواد المؤسسون‬
                 ‫عملية التطوير العام والمعقول‪15.‬‬              ‫لعلم الاجتماع في العالم العربي أعمالاً مهمة ومفيدة‪،‬‬
                                                              ‫ورفيعة المستوى لكن الق ارءة المتأنية للمنتج المعرفي‬
‫وبالتالي فالفرق بيننا وبين المجتمع الأمريكي أنهم‬              ‫في السنوات الأخيرة تأليًفا أو ترجمة افتقدت هذا‬
‫حاولوا فهم وتفسير مجتمعاتهم‪ ،‬وهذه المحاولة الجادة‬             ‫العمق‪ ،‬والفهم السليم لمضمون علم الاجتماع ونظرياته‬
‫أدت إلى نشأة علم اجتماع أمريكي مميز‪ ،‬أما جهدنا‬                ‫ومفاهيمه في فهم المجتمع وانحرفت بالإبداعية عن‬
‫فلا ازل قاصًار على النقل والتوليف واستهلال المعرفة‬            ‫المسار السليم للعلم الاجتماعي‪ .‬خاصة وأن نقطة‬
‫وليس إنتاجها‪ ،‬ولم نقم بمحاولات جادة لجمع معطيات‬               ‫البداية التي انطلق منها علم الاجتماع في العالم‬
                                                              ‫العربي هي نقطة البداية التي انطلق منها علم‬
                  ‫ميدانية عن مجتمعاتنا وتفسيرها‪.‬‬              ‫الاجتماع الأمريكي‪14‬وهي التعرف على علم الاجتماع‬
                                                              ‫الأوروبي عموًما والفرنسي خصو ًصا وترجمته‪ ،‬إلا‬
‫(‪ )15‬بان سبورك‪ ،‬أي مستقبل لعلم الاجتماع في سبيل البحث‬         ‫أننا توقفنا عند الترجمة والنقل والاقتباس‪ ،‬بل ُخِّرب‬
‫عن معنى‪ ،‬وفهم العالم الاجتماعي‪ ،‬ترجمة حسن الحاج‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،2009 ،‬ص‪.‬ص‬                   ‫(‪ )14‬انظر علم الاجتماع الأمريكي‪ ،‬دراسة لأعمال تالكوت‬
                                                              ‫بارسونز تأليف جي روشيه‪ ،‬ترجمة محمد الجوهري‪ ،‬وأحمد‬
                                            ‫‪.	206-205‬‬
                                                          ‫‪49‬‬                       ‫زايد‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1983 ،‬‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54