Page 46 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 46

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫عنيت بتشخيص أوضاع علم الاجتماع‪ ،‬الماضية‬                                              ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫والمعاصرة في الوطن العربي‪ ،‬يستطيع أن يستخلص‬
‫ثلاث مجموعات من العوامل التي أثرت في نشأة هذا‬                 ‫الباحثون حول قضية التبعية للغرب فكًار وممارسة‪،‬‬
                                                              ‫فالبعض يرى أن نقل علم الاجتماع الغربي إلى‬
                                   ‫العلم وتطوره‪.‬‬
                                                              ‫اللغة العربية ليس بدعة أو هو ظاهرة تخص الغرب‬
‫المجموعة الأولى‪ :‬تركز على العوامل الخارجية‬
‫والاستعمار والتبعية وأساليب النظام ال أرسمالي‬                 ‫وحدهم‪ ،‬فالأمريكيون ترجموا كتب علم الاجتماع‬
‫العالمي؛ لصياغة نسق معرفي دولي يرتبط بهذا‬
‫النظام ويعبر عن مصالحه ويخدم أغ ارض حسم‬                       ‫المكتوبة بالفرنسية والألمانية إلى اللغة الإنجليزية‪،‬‬

                  ‫الص ارع في اتجاه هذه المصالح‪.‬‬               ‫ومن قبلهم ترجم الفرنسيون أعمال عبد الرحمن ابن‬

‫المجموعة الثانية‪ :‬وتهتم بالعوامل الداخلية المرتبطة‬            ‫خلدون‪ ،‬والعلماء الاجتماعيون في أمريكا اللاتينية‬
‫بالأوضاع الداخلية لبيئة المجتمع وتوجهات الطبقات‬
‫المسيطرة نحوه‪ ،‬وبالتالي فقد يربط البعض بين غياب‬               ‫ويوغوسلافيا وإي ارن والهند ‪ ..‬إلخ‪ ،‬الذين عاشوا‬
‫النقد لمنتج علم الاجتماع وبين التبعية للفكر الغربي‬
                                                              ‫ظروًفا مثل ظروفنا‪ ،‬وترجموا الكثير من مؤلفات‬
                            ‫الأوروبي والأمريكي‪.5‬‬
                                                              ‫علم الاجتماع‪ ،‬ومفهومات علم الاجتماع الأوروبي‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬والتي أثرت على مسيرة علم‬
‫الاجتماع ومهامه ونشاطاته‪ ،‬وهي مجموعة ترتبط‬                    ‫والأمريكي‪ ،‬وأعادوا تطويرها‪ ،‬كما أضفوا عليها معان‬
‫بخصائص المشتغلين بعلم الاجتماع والعلوم‬
‫الاجتماعية والثقافية بما في ذلك وعيهم الاجتماعي‬               ‫محلية نابعة من واقع مجتمعاتهم‪3.‬‬
‫ووعيهم بالعلم ودوره النقدي‪ ،‬وبالتالي يجب أن‬
‫يرفض المشتغل بعلم الاجتماع مبدأ قبول الظواهر‬                  ‫والبعض الآخر يرى أن المجتمع العربي يفتقد‬
‫الاجتماعية على علاتها‪ ،‬وأن يحلل أي ظاهرة‬                      ‫إلى الأصالة السوسيولوجية؛ لأنه تابع للفكر الغربي‬
‫اجتماعية أو نسق فرعي دون أي محاذير‪ ،‬وبالتالي‬                  ‫يقترض منه‪ ،‬ويستورد مقولاته‪ ،‬وينهل منه أيديولوجيات‬
‫يمتنع أن نكون مستشارين لمتخذي الق ارر‪ ،‬وأن يكون‬               ‫فكرية‪ ،‬وبين الاقت ارض والاستي ارد يظل عالم الاجتماع‬
                                                              ‫العربي حائًار يبحث عن هوية فلا يجدها ويعيش هو‬
      ‫لنا موقف مستقل عن أجهزة السلطة القائمة‪6.‬‬                ‫الآخر في أزمة انفصال وتناقض‪ ،‬ويقع في ب ارثن‬
                                                              ‫الازدواجية الفكرية‪ ،‬والمحصلة النهائية أنه ينفصل في‬
‫علاوة على ذلك وبناء على ما يجري في الوطن‬                      ‫تحليلاته بين الواقع بأزماته‪ ،‬وبين الفكر ومعضلاته‪،‬‬
                                                              ‫وكأن الواقع والفكر مغتربات وليسا متطابقين‪ ،‬ينظر‬
‫(‪)5‬عبد الباسط عبد المعطي‪ ،‬اتجاهات نظرية في علم‬                ‫إلى الواقع فلا يعرفه‪ ،‬ويحلل بفكره فلا ينطبق على‬
‫الاجتماع‪ ،‬دار المعرفة الاجتماعية‪ ،‬الإسكندرية‪،1995 ،‬‬           ‫واقع مجتمعه‪ ،‬ويظل يجمع بين السلفية والمعاصرة‬

                                    ‫ص‪.‬ص ‪	.174-173‬‬                           ‫ويفتقد في النهاية الأصالة المتطورة‪4.‬‬
‫(‪ )6‬عزت حجازي‪ ،‬من الذاتي والموضوعي في علم الاجتماع‬
‫في مصر‪ ،‬في كتاب علم الاجتماع والاجتماعيون (تجارب‬              ‫والمتأمل في هذا السياق لتحليل الجهود العربية التي‬

        ‫وخبرات) مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،1989 ،‬ص‪	157‬‬              ‫(‪ )3‬شفيق الغبرا‪ ،‬معوقات البحث في العلوم الاجتماعية‬
                                                          ‫‪46‬‬  ‫العربية‪ ،‬مجلة العلوم الاجتماعية‪ ،‬مجلس النشر العلمي‪،‬‬
                                                              ‫جامعة الكويت‪ ،‬المجلة ‪ ،17‬العدد ‪ ،1989 ،3‬ص‪.‬ص ‪-210‬‬

                                                                                                                ‫‪.	211‬‬
                                                              ‫(‪ )4‬أحمد مجدي حجازي‪ ،‬علم اجتماع الأزمة‪ :‬تحليل نقدي‬
                                                              ‫للنظرية الاجتماعية في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬دار‬

                                                                          ‫قباء للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪.15‬‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51