Page 7 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 7

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الطبيعية‪ ،‬إلا أن العولمة كعملية لا تعترف بالتكافؤ‬                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫بين الثقافات‪ ،‬فمن أهدافها خلق حالة من عدم التوازن‬
‫بين الشعوب‪ ،‬بل إنها تعمل من أجل التفرد والتفوق‬                ‫إلى تغيير ملامح الثقافات الوطنية وتذويب عناصر‬
‫الغربي والثقافة هي أحد أهم آلياتها؛ لذا نتفق مع ما‬                             ‫مكوناتها في ثقافة عولمية موحدة‪.‬‬
‫توصل إليه المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه من أن‬
‫موجات نقل مظاهر التحديث بثقافتها الاحتكارية يمكن‬              ‫‪ -	 9‬وعلى الرغم من كل ما سبق من آليات‬
‫أن تحيي النزعات السلفية التي تحاول الدفاع عن‬                  ‫عولمية استطاعت الهيمنة علي عقول البشر وتغيير‬
‫الهويات الضائعة أو التي بسبيلها إلى الضياع بسبب‬               ‫اتجاهاتهم إلا أنها آليات «لتوحيد مصطنع للعالم»‬
‫آليات العولمة الساعية إلى تحديث آلياتها الثقافية‬              ‫كما يقول جان زيجلر؛ حيث برزت النزعات القومية‬
‫وتقنيتها الإعلامية المتطورة‪ .‬والدليل على ذلك تنتزع‬            ‫والتيا ارت السلفية كرد فعل لعملية العولمة الثقافية‬
‫عولمة التحديث شرعية الفكر السلفي وُيعطي لرواد‬                 ‫ودفا ًعا عن انتماء ديني ناتج عن صناعة فكرية‬
‫التنوير مكانة في صدر المسرح الاجتماعي‪ ،‬وهذا ما‬
‫لا يقبله الت ارث الفكري التقليدي لعوامل ثقافية ودينية‬               ‫بتوجهات كوكبية ممنهجة ضد إنسانية البشر‪.‬‬
‫لها القوة والشرعية في هذه المجتمعات‪ ،‬كل هذا يؤدي‬
                                                              ‫‪-10‬توظيف العلم للاخت ارق الثقافي والهيمنة على‬
            ‫إلى التفكك والازدواجية وضياع الهوية‪.‬‬              ‫الثقافات التقليدية بهدف طمس هوية الشعوب بات‬
                                                              ‫الهدف الرئيس للعولمة الثقافية‪ ،‬ومن أجل تحقيق‬
‫وربما يكون السؤال المثار والأهم هنا يتمثل في‪:‬‬                 ‫الهدف تعددت آليات السيطرة ك ًّما وكيًفا بين ثقافة‬
‫ما موقفنا من العولمة وتحدياتها الثقافية؟ وكيف‬                 ‫قومية وأخرى‪ .‬ولا شك أن المتابع للب ارمج التي تبثها‬
‫نتعامل في المستقبل مع مأزق العولمة؟ وهل يمكن‬                  ‫الإذاعات المختلفة‪ ،‬حتى العربية منها‪ ،‬يلاحظ بوضوح‬
‫التمسك بالهوية في ظل تقنيات تسارع الزمن في‬                    ‫إظهار تفوق الثقافة والحضارة الغربية‪ ،‬وتغلغل قيم‬
‫التطور والتحكم والسيطرة؟ وهل يمكن أن نقف أمام‬                 ‫الليب ارلية الجديدة داخل المؤسسات الوطنية ذات‬
                                                              ‫الصلة بالثقافة‪ ،‬مناهج الد ارسة في مؤسسات التعليم‬
  ‫الترويج الكاسح للخطاب الثقافي للليب ارلية الجديدة؟‬          ‫المختلفة وفي م اركز البحث العلمي‪ ،‬بالإضافة إلى ما‬
                                                              ‫تقدمه المؤسسات ال أرسمالية‪ ،‬كلها تصب في إطار‬
‫ثانًيا‪:‬عولمة الثقافة وحضارة السوق‪ :‬توصيف‬                      ‫ترسيخ تفوق الغربي على ما عداه من الجنسيات‬
                           ‫علاقة العولمة بالهوية‬
                                                                                                      ‫الأخرى‪.‬‬
‫عّلنا نشترك مع مارتن ولف في التساؤل الشائع‪:‬‬
‫هل العولمة هي عملية غسيل حقيقية للأدمغة؟ وهنا‬                 ‫وعلى الرغم من الشعا ارت المعلنة عن العولمة‪،‬‬
‫نتسائل أي ًضا هل نحن مستعدون للمواجهة؟ وكيف؟‬                  ‫التي تدعي توحيد العالم ونشر ثقافة عالمية موحدة في‬
‫إن توصيف الحالة يشير إلى أن الخوف من‬                          ‫القرية الكونية‪ ،‬فإن البحث المدقق في إشكالية العلاقة‬
‫العولمة يرجع – في المقام الأول – إلى محاولة‬                   ‫بين العولمة والهوية الوطنية يكاد بالدليل يدحض‬
‫إثبات الذات الوطنية لدى حاملي الهوية‪ ،‬خاصة‬                    ‫من الشعا ارت المغلوطة لصانعي العولمة‪ ،‬ونستطيع‬
                                                              ‫أن نؤكد – بالشواهد الواقعية – أن التبادل الثقافي‬
                                                           ‫‪7‬‬  ‫يصبح وارًدا بحق في حالة التكافؤ بين الثقافتين‪ ،‬وأن‬
                                                              ‫الاحتكاك الفكري أمٌر محمود بين الشعوب في حالته‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12