Page 12 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 12
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
المعوقات الثقافية للفكر وللنهضة العربية المعاصرة
د .مصطفى النشار
أستاذ الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة
إن قضية التقدم الحضاري للأمة لا ت ازل هى الشغل الشاغل للمفكرين العرب ولا ت ازل هي القضية المحورية
لكل إنسان عربي مهموم بكل ما فى الواقع العربي من تشتت وتشرذم وص ارعات لا تنتهي فى الوقت الذي يعاني
فيه الكثير من مواطنى المنطقة من الشرور الثلاثة :الفقر والجهل والمرضوالحقيقة أن هذه الشرور الثلاثة
تمثل فى اعتقادي العل َل القريبة لكل مظاهر التخلف والجمود الحضاري الذي نعاني منه!!
التي من شأنها تحقيق القفزة النهضوية المنشودة. بينما تبرز العلل البعيدة لهذا التخلف إذا ما أدركنا
أنه من المسلم به أن الأمم لا تتقدم إلا بخطط تنموية
وفى اعتقادي أن هذه الأوهام ترتد فى النهاية إلى واضحة وبإ اردة مجتمعية وسياسية مصممة على
أربعة؛ هى وهم الاعتقاد فى التفوق المطلق للحضارة إنجاز هذه الخطط على أرض الواقع ،ومن المعروف
الغربية ،ووهم التنمية والتقدم بالصورة التى يفهمها أن أي خطط تنموية لا بد أن تكون متوافقة مع
الغرب ،ووهم الاعتقاد بأن الديموق ارطية هى النظام إمكانيات الأمة وقد ارت أبنائها ،ومن ثم فأي خطط
تنموية ناجحة ينبغي أن تكون مستقلة ونابعة من
السياسي الأمثل ،ووهم الأصالة والمعاصرة. معطيات الواقع وليس عبر التقليد واستي ارد الخب ارت
-1وهم تفوق الحضارة الغربية (وهم المعجزة الأجنبية.
الغربية)
يعيش العرب وه ًما كبيًار حينما يتصورون – تحت ومن وعينا بهذه المسلمات ،نكتشف لماذا تقدم
تأثير المؤرخ الغربي دائ ًما – أن الغرب هو صان ُع الآخرون وتخلفنا نحن؛ حيث يعانى الفكر العربى
العلم و ارئد الفكر والتطور الحضاري؛ فالإنسان في المعاصر منذ صدمة اللقاء الحضارى الحديث بين
الغربيين والعرب منذ الحملة الفرنسية على مصر فى
الغرب هو صانع العلم مفهوًما ومنطًقا على يد فلاسفة نهاية القرن الثامن عشر ،من الكثير من الأوهام التى
وعلماء اليونان قدي ًما ،كما أنه هو صانع مفهومه علقت بالذهنية العربية منذ هذا التاريخ ،وكم حدثت
الحديث ومناهجه الحديثة أي ًضا على يد فلاسفته محاولات للتخلص من هذه الأوهام ،لكن الذى حدث
وعلمائه المحدثين منذ كوبرنيقوس وكبلر ونيوتن من ولا ي ازل هو تغلغل هذه الأوهام ورسوخها عا ًما بعد
العلماء ،ومنذ فرنسيس بيكون وديكارت وجون لوك عام وحقبة بعد أخرى فى العقلية العربية ،ومن ثم
وجون استيوارت مل من الفلاسفة إلى آخر سلسلة أصبحت حالة واقعة فى الفكر العربى المعاصر تعوق
العلماء والفلاسفة من ذوي الاهتمام بمناهج البحث استقلالية المفكر العربي في كل المجالات وتحد من
قدرته على الإبداع وابتكار الحلول لمشكلاتنا التنموية
العلمي وفلسفة العلوم .والحقيقة التي لا م ارء فيها أن
ما فعله الغربيون قدي ًما أنهم أخذوا المنج ازت العلمية
12