Page 14 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 14

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫– أن هذا التقدم التقني والاقتصاد ال أرسمالي والحرية‬                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫الاقتصادية والفردانية في قيادة هذا التقدم بما يحققه‬
‫ال أرسماليون ومؤسساتهم الخاصة لا يمكن اللحاق‬                  ‫منهجيات مثيلاتها لدى الغربيين‪ ،‬فإن هذه الاستفادة‬
‫به لا على مستوى الدول ولا على مستوى الأف ارد‬                  ‫ينبغي أن تكون في أضَيق الحدود؛ فالمشكلات التي‬
‫والمؤسسات الخاصة‪ .‬وبالطبع فإن قياس التقدم من‬                  ‫تعاني المجتمعات العربية والإسلامية منها ليست هي‬
‫المنظور المادي البحت هو سبب الإق ارر بالتخلف‬                  ‫نفسها التي تعاني منها دول الغرب! ومن ثم ينبغي أن‬
‫العربي على اعتبار أن الفجوة كبيرة بين متوسط دخل‬               ‫يركز علماؤنا في إبداعاتهم وفي د ارساتهم على إبداع‬
‫الفرد في البلاد المسماة بالمتقدمة ودخله في البلاد‬             ‫المناهج والآليات التي تتوافق مع طبيعة الظواهر‬
‫المسماة متخلفة أو باصطلاح مهذب النامية‪ ،‬فبينما‬                ‫المحلية موضوع الد ارسة للتوصل إلى حلول تناسبها‬
‫يبلغ متوسط دخل الفرد في البلاد العربية (عامي‬                  ‫وهي بلا شك لن تكون الحلول المستوردة من نواتج‬
‫‪3791 ،27‬م مثلاً) ‪ 924‬دولاًار‪ .‬يبلغ متوسط دخل‬
‫الفرد في أمريكا أكثر من ستة آلاف دولار ويقترب‬                                                 ‫الد ارسات الغربية!‬
‫من الأربعة آلاف دولار في أوربا الغربية‪ .‬وبالطبع‬
‫فإن تسارع وتيرة التقدم في هذا المجال في البلاد‬                ‫والحقيقة التي أود أن أؤكد عليها هنا هي أن علماء‬
‫الغربية كبير وهو بلا شك أكبر من مثيله لدى الدول‬               ‫النفس والاقتصاد والاجتماع والسياسة من العرب‬
‫الأخرى‪ .‬فكأننا هنا أمام رجلين أحدهما يملك ربع ما‬              ‫والمسلمين قد تخاذلوا كثيًار حينما وقعوا تحت تأثير وهم‬
‫يملكه الآخر من المال‪ ،‬فلا بد في الظروف الطبيعية‬               ‫التفوق الغربي في هذه العلوم وأخذوا بنظريات علماء‬
‫أن يكون ربح الأغنى مالاً أكثر من ربح الأقل مالاً‬              ‫الغرب وحللوا من خلالها واقع مجتمعاتهم ونفسية‬
‫بكثير‪ .‬فإذا مضت عدة سنوات فلا ريب أن الأفقر بين‬               ‫أف ارد شعوبهم والأنماط الاقتصادية لهذه الشعوب التي‬
‫الاثنين على الرغم من ت ازيد ثروته مع الأيام‪ ،‬سيرى أن‬
‫صاحبه الآخر قد ازداد ث ارء وغنى وتضاعفت ثروته‬                                  ‫ظنوا أنهم مثلوها ونظروا لواقعها!!‬
‫وتضاعفت الفروق بينهما‪ .‬إن القضية التي تشير‬
‫إليها هذه الملاحظة ليس ما فيها من صحة وصدق‬                    ‫إن التخلص من وهم المعجزة الغربية في مجالات‬
‫فحسب‪ ،‬بل القضية – فيما يقول حافظ المجالي‪– 3‬‬                   ‫العلوم المختلفة إنما ينبع من الإيمان بأن العلم – في‬
‫هي ما فيها من إيلام للمواطن العربي وتمزيق لقلبه‬               ‫مختلف فروعه – إرٌث بشري شارك في صنعه كل‬
‫وملئه بالحس ارت على نفسه وعلى حاله المتردي من‬                 ‫البشر وكل العلماء في مختلف الحضا ارت البشرية‬
                                                              ‫عبر تطورها الطويل‪ ،‬والإيمان في ذات الوقت بأن‬
                           ‫التخلف وفقدان الأمل‪.‬‬               ‫استنبات التكنولوجيا والتقدم العلمي داخل كل مجتمع‬
                                                              ‫إنما ينبغي أن يتم بآليات وعقليات ت ارعي ظروف هذا‬
‫والأمر في اعتقادي ليس على هذا النحو‪ ،‬فليست‬                    ‫المجتمع ومشكلاته الخاصة في كل مجالات الحياة‪.‬‬
‫التنمية والتقدم بالمعيار المادي الغربي هي المقياس‬
                                                                  ‫‪ - 2‬وهم التنمية والتقدم على الطريقة الغربية‬
  ‫‪ 3‬حافظ المجالي‪ :‬بين التخلف والحضارة‪ ،‬منشورات اتحاد‬
              ‫الكتاب العرب‪ ،‬دمشق ‪1978‬م‪ ،‬ص‪.	21-20‬‬              ‫أما الوهم الثانى الذى نعيشه بالفعل‪ ،‬فهو أن التنمية‬
                                                          ‫‪14‬‬  ‫والتقدم لا يكونان إلا بحسب النموذج المادى الغربى؛‬
                                                              ‫فلقد وقر في ذهنية الإنسان العربي أي ًضا – منذ‬
                                                              ‫محاولات الصحوة الجديدة في مواجهة التقدم الغربي‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19