Page 19 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 19

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫قلناه سابًقا‪ .‬وأعتقد أن الأهم كما أشار أنور عبد‬                                                       ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫الملك فيها نقلناه عنه سابًقا هو الوصول إلى المجتمع‬
‫القومي الموحد الذي يجمعهم ولا يفرقهم‪ ،‬فهذا هو‬                 ‫باختلاف البيئات والأمكنة والأزمنة‪ ،‬وبمقدور‬
‫الذي سيساعدهم في تحقيق التقدم المستقل وهو الذي‬                ‫الأف ارد فيها دائ ًما أن يعبروا عن إ اردتهم بحرية وأن‬
‫سيكسبهم احت ارم العالم وتقديره‪ .‬إن التبعية والتقليد‬           ‫يغيروا حسب الأحوال من آ ارئهم وقناعاتهم‪ .‬وهم‬
‫مرفوضان‪ .‬وآن أوان العودة إلى هذا التوجه القومي‬                ‫بالتالي يمتلكون القدرة على تطوير حياتهم وفًقا‬
‫العربي الذي تتوحد في ظله الإمكانيات وتتحقق من‬                 ‫لظروفهم المتاحة واتساًقا مع إرثهم التاريخي والثقافي‬
‫خلاله كل الأهداف التي يسعى إليا ويحلم بها كل‬
                                                                                                   ‫والحضاري‪.‬‬
                                   ‫عربي حقيقي‪.‬‬
                                                              ‫وقد صدق أنور عبد الملك حينما قال‪ :‬إن بعض‬
‫‪ -4‬وهم «الأصالة والمعاصرة» إن لكل أمة –‬                       ‫الدعوات السياسية التي تضع شعار العلمانية على‬
‫تريد التقدم فى المستقبل – طريًقا يحدده فى البداية‬             ‫أرس أولوياتها‪ ،‬وتعتبر ذلك مقياس التخلص من‬
‫قادة الفكر فيها سواء كانوا من الفلاسفة أو العلماء‬             ‫الطائفية‪ ،‬تقع – في معظم الأحيان – في فخ نفي‬
‫أو حتى من الأدباء أصحاب الرؤى النقدية والنبؤات‬                ‫الت ارث والهرب المتخفي من شخصيتها الحضارية ‪..‬‬
‫التى تستطلع المستقبل؛ لقد قدم بتاح حوتب وايبوور‬               ‫إن وضع المسألة ليس هو‪ :‬العلمانية أم المجتمع‬
‫واخناتون وأمينموبى فى بردياتهم أورجانون التقدم‬                ‫الديني‪ ،‬وإنما هو بدقة‪ :‬المجتمع الطائفي أم المجتمع‬
‫(الأورجانون لفظة لاتينية تعنى الآلة أو الأداة)‬                ‫القومي الموحد؟! والمجتمع القومي الموحد يستطيع أن‬
‫للأمة المصرية فى عهد الف ارعنة‪ ،‬وقدم كونفشيوس‬                 ‫يختار لنفسه النهج الديني أم النهج العلماني ‪..‬إلخ‪10.‬‬
‫أورجانون التقدم للأمة الصينية منذ فجر تاريخها‬
‫وربما حتى الآن‪ ،‬وقد كانت الكتب المقدسة ولا ت ازل‬              ‫إن العرب في لحظة تاريخية فارقة؛ حيث صور‬
‫تمثل أورجانون نهضة لمن آمنوا بها‪ ،‬وإن كانت الأمة‬              ‫الضعف التي يعانون منها كثيرة‪ ،‬ويجرى الآن محاولة‬
‫الإسلامية قد تميزت بالقرآن الذى سيظل متحدًيا‬                  ‫فرض كل ما ي اره الغرب صحي ًحا عليهم دون م ارعاة‬
‫قد ارت البشر وسابًقا لتصو ارتهم ومله ًما لإبداعاتهم‬           ‫لاختلاف البشر والبيئة والعقيدة والتاريخ ‪ ..‬إلخ‪ ،‬فإن‬
‫ما بقيت الحياة على ظهر الأرض‪ .‬فهو الكتاب‬                      ‫لم يتنبهوا إلى أن خصوصيتهم تفرض عليهم سرعة‬
‫المنزل الذى بدت معجزته فى تحديه للعقل الإنسانى‬                ‫اختيار التوجه الذي يتوافق معهم بيئ ًة وعقيدة وتاري ًخا‬
‫ولقد ارته المبدعة عبر العصور ما مضى منها وما‬                  ‫دون الالتفات إلى هذه المطرقة ثقيلة الوطأة عليهم‪،‬‬
‫سيأتى! ومع أن المسلمين قد نجحوا فى استلهامه‬                   ‫تلك المطرقة التي تحاول فرض كل ما هو غربي‬
‫وبناء واحدة من أعظم الحضا ارت الإنسانية‪ ،‬إلا أنهم‬             ‫على كل ما هو عربي‪ .‬وقولبة كل ما هو عربي‬
‫الآن أصبحوا عبًئا ثقيلاً على قرآنهم ودينهم بتخلفهم‬            ‫تب ًعا للأطر الغربية من شأنه أن يفقد العرب تميزهم‬
‫الحضارى وتحجرهم الفكرى! والإسلام فى صحيحه‬                     ‫التاريخي والثقافي والعقائدي ويمسخهم بلا رحمة‪ .‬إن‬
                                                              ‫على العرب أن يختاروا لأنفسهم مستقبلهم السياسي‬
             ‫ومصادره الأصلية بريء من كل ذلك‪.‬‬                  ‫وصورة الحكم التي يرتضونها والتي تتوافق مع ما‬

                                                          ‫‪19‬‬  ‫(‪ )10‬د‪ .‬أنور عبد الملك‪ :‬ريح الشرق‪ ،‬دار المستقبل العربي‬
                                                                                              ‫بالقاهرة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪30‬‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24