Page 15 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 15

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫و ارءها الإنسان الغربي ذاته‪ ،‬فهو الذي استعمر هذه‬                                                      ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫البلاد ونهب ثرواتها وعمد إلى تفتيت وحدتها وإزكاء‬
‫الص ارعات بين قبائلها وزعمائها‪ .‬ولم يتركها إلا بعد‬            ‫الوحيد للتقدم‪ ،‬وليست المسألة مقصورة على ازدياد‬
‫أن ربط اقتصادها باقتصاده‪ ،‬ولم يزرع فيها أبًدا‬                 ‫الأغنى غنى‪ ،‬وازدياد الفقير فقًار‪ ،‬وليست عموًما‬
‫أية إمكانية للتنمية الذاتية المستقلة أو أية إمكانية‬           ‫بالمال الذي يملكه هذا أو ذاك من البشر أو من‬
‫للنهوض الذاتي حيث بؤر الص ارع المشتعلة دائ ًما‪،‬‬               ‫الدول‪ .‬وعلينا أن نتوقف لتأمل هاتين الملاحظتين‬
‫وتضارب المصالح بين الناس على أشدهما دائ ًما‪.‬‬                  ‫لنستنتج منهما المعنى الحقيقي للتنمية والتقدم وَم ْن‬
‫ورغم الفقر والعوز يسعى كل فصيل للسيادة والسيطرة‬
‫لعله يجد ما يسد به رمقه ويطفئ به شهوته ويحقق‬                                        ‫من الأمم الأرقى والأفضل!!‬
‫به ك ارمة ازئفة أو سيادة خرقاء لا قيمة لها‪ .‬إن أسوأ‬
‫ما في الأمر هنا هو أن نرى أن المساعدة تأتي ممن‬                ‫الملاحظة الأولى تبدو في هذا الأسى والألم الذي‬
‫كان السبب في كل ما تعانيه هذه الشعوب من فقر‬                   ‫نشعر به جمي ًعا حينما نشاهد مناظر أولئك الأفارقة‬
‫مدقع وص ارعات لا تنتهي! إن أسوأ ما في الأمر هنا‬               ‫الجوعى سواء كانوا عرًبا أو لم يكونوا‪ ،‬وأجسادهم يبدو‬
‫أن يتصور هؤلاء الغربيون أنهم إنما يقومون بواجب‬                ‫منها العظم وهنا وضعفا دلالة على الفقر المدقع وعدم‬
‫إنساني عظيم يؤكد تحضرهم وتعاطفهم مع غيرهم‬                     ‫وجود القوت الضروري لهؤلاء الناس! وكم نصيح‬
‫من بني البشر! إنهم في الواقع يخدعون أنفسهم كما‬                ‫عندئذ قائلين‪ :‬ألا يستحق هؤلاء العون حتى نحميهم‬
‫يخدعون غيرهم‪ ،‬فإنسانية الإنسان الغربي وهٌم كبير‬               ‫من هذا الجوع وهذا العطش‪ ،‬وكم ننبهر بهذا الإنسان‬
‫‪ ..‬فليس إنساًنا من َحَرم غيَره ُسب َل العيش المستقل‬           ‫الغربي الرقيق الذي أتى بمؤسساته الدولية مثل الهلال‬
‫والتنمية الذاتية وحسن استغلال موارده‪ ،‬ثم قدم إليه‬             ‫الأحمر والصليب الأحمر ووكالات الغوث الأخرى‬
‫مساعدات ومن ًحا هى فى واقع الأمر تكئة للأخذ‬                   ‫فيشملهم برعايته ويكسب ُوَّدهم بمعوناته! وكم نتعجب‬
                                                              ‫في ذلك الوقت من هؤلاء الجوعى والعطشى – وهم‬
                           ‫وللمزيد من الاستعباد‪.‬‬              ‫مع حالهم المتردي هذا – يتحاربون ولا يتوقفون عن‬
                                                              ‫قتال بعضهم البعض للسيطرة على هذه البلدة أو تلك‪،‬‬
‫أما الملاحظة الثانية‪ ،‬فتتعلق بأنه لدينا مفهومنا‬               ‫ونتساءل مندهشين ‪ :‬ألا يرحم هؤلاء الناس أنفسهم‬
‫الخاص للتقدم والتنمية لا يقوم على التقدير المادى‬              ‫ويتوقفون عن هذا القتال! ألا يسمعون صوت العقل‬
‫ومضاعفة الفروق المادية بين الأغنى والأفقر‪ ،‬إن‬                 ‫ويغلبون عواطف الأخوة والتشارك في الأزمة على‬
‫الإنسان العربى المسلم لا ُيعنى كثيًار بمظاهر الث ارء‬          ‫الرغبة في السلطة والقفز على الحكم!! ألا ينبغي‬
‫المادى؛ انظر إلى هؤلاء المسلمين الأوائل وهم‬                   ‫لهؤلاء أن يو ِّجهوا ما لديهم من أموال إلى ش ارء السلع‬
‫يفتحون بلدان العالم واحدة بعد أخرى‪ ،‬وهى البلاد‬                ‫وحفر الآبار وز ارعة الأ ارضي بدلاً من توجيهها لش ارء‬
‫التى كانت شديدة الث ارء‪ ،‬فقد كانوا ينظرون إلى‬
‫حدائقها الغناء وقصورها الفاخرة وتحفها النادرة نظرة‬                      ‫السلاح والتقاتل الذي لا طائل من و ارئه!‬
‫هامشية‪ ،‬فلا ينبهرون بهذا أو ذاك من هذه المظاهر‬
                                                              ‫إنها حقيقة مغالطة كبرى حينما نظل على هذه‬
                                                          ‫‪15‬‬  ‫المشاعر المتضاربة إ ازء كل ذلك‪ ،‬فالحقيقة أن و ارء‬
                                                              ‫كل هذه المظاهر المتناقضة التي ن ارها في أدغال‬
                                                              ‫الصومال وموزمبيق والسودان وأنجولا وغيرها‪،‬‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20