Page 18 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 18

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫كفلها الإسلام للإنسان‪ .‬وهي التي اقتبسها واعتمدها‬                                                        ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫الغربيون بعد طول عناء واعتبروها هي أساس الميثاق‬
‫العالمي لحقوق الإنسان‪ .‬ولكن ممارساتهم للأسف‬                   ‫أمام الشعب بعد ذلك وآليات المحاسبة واضحة؛ إذ لا‬
‫تكشف يوًما بعد يوم‪ ،‬وعا ًما بعد عام أنهم لا يقرون‬             ‫طاعة في معصية‪ ،‬وأن أعظم الجهاد كلمة حق في‬
‫هذه الحقوق بشكلها الصحيح إلا للإنسان الغربي‪ ،‬أما‬              ‫وجه السلطان الجائر الذي ينبغي عزله فور خروجه‬
‫حينما يتعلق الأمر بأي إنسان من أية جنسية أخرى‬                 ‫عن جادة الصواب‪ .‬إن الديمق ارطية الغربية المعاصرة‬
‫فالأمر يختلف؛ حيث يكون خطاب الحقوق نظ ّرًيا‬                   ‫إنما هي في حقيقة الأمر ديمق ارطية النخبة التي‬
                                                              ‫تصنع أصنا ًما هي الأح ازب الكبرى وتكتفي بصناعة‬
                ‫فقط دون أن يرى التطبيق عملًّيا‪9.‬‬              ‫زعيم لكل واحد منها وتسوق له وكأنه «المهدي‬
                                                              ‫المنتظر» ثم يظهر في النهاية أنه «الشر المستطير»‬
‫والخلاصة‪ ،‬إنه لا يوجد نظام الحكم الأمثل بصورة‬                 ‫الذي يضيع ثروات شعبه ويهدر إمكانات دولته باسم‬
‫مطلقة‪ ،‬إنما النظام السياسي الأمثل دائ ًما هو ذلك‬              ‫الديمق ارطية وليس نموذج بوش أمريكا الصغير إلا‬
‫الذي يتلائم مع البيئة السياسية القائمة ويلبي رغبات‬
‫وطموحات شعب معين في حقبة زمنية معينة في‬                                                       ‫أحد هذه الأمثلة‪.‬‬
‫ضوء عقائد هذا الشعب وأخلاقياته بل وعاداته‬
‫وتقاليده‪ .‬إن لكل شعب ثقافته الخاصة‪ ،‬وتجربته‬                   ‫إن ثقافتنا العربية – على حد تعبير حامد ربيع – هي‬
‫السياسية المتميزة عبر تاريخه‪ ،‬وعليه أن يستثمر ذلك‬             ‫ثقافة الترقب وليس الخضوع أو المشاركة‪ ،‬بمعنى أنها‬
‫في تطوير نظامه السياسي دون تقليد أعمى للتجربة‬                 ‫في ُبعدها السياسي التاريخي لم تكن ثقافة المشاركة‬
‫الغربية التي قد تكون ملائمة فقط لأصحابها وتحقق‬                ‫فهي لم تعرف أساليب الممارسة المتعلقة بالتصويت‬
‫أهدافهم وطموحاتهم‪ .‬وعلى الغربيين في المقابل أن‬                ‫أو تفهمها‪ ،‬ولكنها من جانب آخر لم تقبل لا الخضوع‬
‫يكفوا عن فرض رؤيتهم السياسية والاقتصادية على‬                  ‫ولا الانحناء‪ ،‬حتى في قلب العصر العباسي الأول‬
‫الشعوب والثقافات الأخرى التي قد تكون أعرق في‬                  ‫نجد أن الخليفة المعتصم يخضع لل أري العام بصدد‬
‫خب ارتها وجديرة بأن تصنع بنفسها ما تريده من نظام‬              ‫الموقف من خلق القرآن‪ .‬أما الترقب فمعناه أن الجميع‬
‫سياسي ونظام اقتصادي يكفل لها الاستق ارر ونموذج‬                ‫يقف من الحاكم موقف الانتظار‪ ،‬فإن أساء وتخطى‬
                                                              ‫حدوًدا معينة في عدم احت ارم القواعد والتقاليد إذا به‬
                               ‫التقدم الذي تنشده‪.‬‬             ‫ينقلب من موقف عدم الاهتمام إلى موقف العنف‪.‬‬
                                                              ‫ولنا في قصة مقتل الخليفة الثالث للرسول عليه‬
‫إن العلوم الاجتماعية والإنسانية ليست كالعلوم‬
  ‫الطبيعية والرياضية تتمتع المبادئ والنظريات فيها‬                      ‫السلام عثمان بن عفان الدليل على ذلك‪8.‬‬

‫بثبات نسبي يكفله معايير واضحة لقياس صدق‬                       ‫إذن يمكننا أن نطور نموذ ًجا عربًّيا إسلامًّيا للحكم‬
‫النتائج‪ .‬بل هي علوم تدرس ظواهر إنسانية تختلف‬                  ‫يعتمد على أكبر قدر من المشاركة في صنع الق ارر‬
                                                              ‫واختيار الحاكم ومجلس للمحاسبة والم ارقبة وطريقة‬
‫(‪ )9‬انظر تفاصيل ذلك في كتابنا‪ :‬حقوق الإنسان المعاصر بين‬       ‫واضحة لتداول السلطة دون التضحية بالحقوق التي‬
‫الخطاب النظري والواقع العملي‪ ،‬الدار المصرية السعودية‬
                                                               ‫(‪ )8‬انظر‪ :‬حامد ربيع‪ ،‬الثقافة العربية بين الغزو الصهيوني‬
                                        ‫بالقاهرة ‪2004‬م‪	.‬‬             ‫وإدارة التكامل القومي‪ ،‬دار الموقف العربي‪ ،‬ص‪	.47‬‬
                                                          ‫‪18‬‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23