Page 16 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 16

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫إلى الولايات المتحدة‪ ،‬وتبينا صدق ما قاله رجل الدولة‬                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫الأمريكي هرمان‪ :‬إن المعونة المقدمة إلى البلدان‬
‫المتخلفة وسيلة ممتازة تتيح للبلدان الفقيرة أن تساعد‬           ‫ويظلون محافظين على سلوكهم الفطرى العادى‬
                                                              ‫مكتفين كعادتهم وكما عّلمهم الإسلام بما هو ضرورى‬
                                  ‫البلدان الغنية‪4.‬‬            ‫من المأكل و المشرب‪ ،‬إنهم لم يلتفتوا إلى هذا الث ارء‬
                                                              ‫الفاحش والاستمتاع به كما يفعل أثرياء العرب اليوم‪،‬‬
‫إن علينا أن نفكر جيًدا في قناعات مفكر غربي‬                    ‫ولم ينغمسوا فى ملذات الحياة على طريقة أعدائهم‬
‫قدير مثل روجيه جارودي الذي عبر عنها في ثلاث‬                   ‫كما يفعل العرب اليوم‪ .‬إنهم باختصار لم يقلدوا سلوك‬
                                                              ‫أهل هذه البلاد بل على العكس أجبروهم على أن‬
                                           ‫نقاط‪:‬‬              ‫يتخذوا منهم قدوة‪ .‬إن التقدم الذى كانوا يؤمنون به‬
                                                              ‫هو التقدم بالمفهوم الإسلامى الذى يتمثل فى الحرص‬
‫(‪ )1‬لقد تم تطور المجتمعات الاقتصادية الغربية‬                  ‫على السلوك الحسن والقدوة الطيبة فى المعاملات‪،‬‬
                         ‫باقتطاع الموارد العالمية‪.‬‬            ‫الحرص على إقامة العدل‪ ،‬لقد كانوا يؤمنون بدونية‬

‫(‪ )2‬عندما أذاعت المجتمعات الغربية الصناعية‬                                    ‫الدنيا وتفاهة الإقبال على ملذاتها‪.‬‬
‫أنموذجها حرمت بلدان العالم الثالث عن جادة نموه‬
                                                              ‫إن المفهوم الإسلامي للتنمية الذي كانوا يؤمنون‬
                     ‫الأصيل وفرقت شمل ثقافاته‪.‬‬                ‫به يتركز في تنمية الإنسان عقيدة وسلوًكا‪ ،‬تنميته‬
                                                              ‫أخلاقًّيا‪ ،‬وترقية ذوقه ورهافة حسه حينما يتعامل مع‬
‫(‪ )3‬إن نمط التطور الذي تمارسه المجتمعات‬                       ‫الآخرين‪ ،‬إذ يكون صادًقا معهم في معاملاته‪ ،‬وفًّيا‬
‫الغربية الصناعية يقود البشرية إلى درب مسدود‪5.‬‬                 ‫بعهوده‪ ،‬كري ًما في أخلاقه‪ ،‬حري ًصا على أن يعرف‬
‫وإذا ما فكرنا جيًدا في هذه النقاط الثلاث لأدركنا مدى‬          ‫أكثر ويزود الآخرين بما توصل إليه من إبداعات‬
‫صدق مقولته شديدة الأهمية بالنسبة لنا‪ .‬إن السبيل‬               ‫علمية وفكرية بدون ادعاء أو م ّن‪ ،‬بدون تعا ٍل أو‬
‫الوحيد لاستقلال بلدان العالم الثالث استقلالاً حقيقًّيا‬        ‫تعصب‪ .‬ذلك هو التقدم الحقيقي‪ ،‬التقدم الكيفي الذي‬
‫هي الانسحاب قدر المستطاع من آليات المنظومة‬                    ‫يبدو في السلوك في كافة مجالات الحياة‪ ،‬والحرص‬
                                                              ‫على إسعاد الآخرين بقدر الحرص على إسعاد الذات‪،‬‬
                             ‫ال أرسمالية العالمية‪6.‬‬           ‫لكن ليس عن طريق الاستغ ارق في الرخاء المادي‪،‬‬
                                                              ‫بل عن طريق الاعتدال في الحياة الدنيوية والحرص‬
‫وفي اعتقادي أن التحلل من وهم التنمية والتقدم‬                  ‫على اكتساب الثواب الأخروي الذي ُوِعد به المتقون‬
‫بمعايير الغرب ال أرسمالي يبدأ من إد ارك هذه الحقيقة؛‬
‫إذ إن آليات المنظومة ال أرسمالية العالمية كلها تعمل‬                                               ‫في الإسلام‪.‬‬
‫لصالح التنمية والتقدم والتفوق الغربي وليس لصالح‬
‫الشعوب الأخرى بأي حال من الأحوال‪ .‬ومن ثم‬                      ‫وإذا ما أخذنا هاتين الملاحظتين في الاعتبار‬
‫علينا أن نحرص على تنمية مواردنا المستقلة وإبداع‬               ‫لتفهمنا – على سبيل المثال – حقيقة وصدق ما‬
‫الوسائل الكفيلة بصنع التقدم على الطريقة العربية‬               ‫قاله جوزيه دي كاسترو أن كل دولار تقدمه الولايات‬
                                                              ‫المتحدة إلى أمريكا اللاتينية يقابله ثلاثة دولا ارت تعود‬
   ‫(‪)4‬نقلاً عن جارودي‪ ،‬حوار الحضارات‪ ،‬سبقت الإشارة‬
                                            ‫إليه‪ ،‬ص‪9	 1‬‬

                         ‫(‪ )5‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪	92‬‬
                                      ‫(‪ )6‬نفسه‪ ،‬ص‪.	91‬‬
                                                          ‫‪16‬‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21