Page 11 - merit 47
P. 11

‫إبداع ومبدعون ‪9‬‬
                        ‫رؤى نقدية‬

                                                              ‫الأدبية‪ ،‬فلا يعني ذلك غمض‬

                                                              ‫الشعر حقه في الوجود‬

                                                              ‫ولا المصادرة على تطوره‬

                                                              ‫وفرادته‪ .‬ولعل ناق ًدا‬
                                                              ‫موضوعيًّا‪ ،‬متأم ًل في‬
                                                              ‫تاريخ الآداب وتحولات‬

                                                              ‫الأنواع يلحظ ذلك الصراع‬

                                                              ‫الذي شهدته منظومة‬

                                                              ‫الشعر والنثر قدي ًما من‬
                                                                ‫جدل وتبادل للمواقع‬

                                                              ‫بين الشاعر والخطيب‪،‬‬

                                                              ‫والكاتب والشاعر في‬

                                                              ‫دورات متعاقبة حتمتها‬

                                                              ‫ظروف تاريخية وثقافية‬

                                                              ‫بل ووسائطية في الأساس‬

‫هايدن وايت‬  ‫جوهانس جوتنبرج‬                         ‫بول ريكور‬  ‫بين الشفوي والكتابي‪.‬‬
                                                              ‫ومن هنا فإن ما ينبغي‬

   ‫لأنواع السيرة الذاتية‪ ،‬والتخييل الذاتي‪ ،‬وكتابة‬  ‫الانتباه إليه هو حقيقة دورية التحولات الإجناسية‪،‬‬
‫اليوميات والمذكرات‪ .‬وما من شك أن السرد يخترق‬
                                                   ‫ما دام تاريخ كل نو ٍع يشهد على صعوده تار ًة‪ ،‬أو‬
   ‫كافة الأنواع غير السردية‪ ،‬فليس هناك من نوع‬      ‫هبوطه تارة أخرى‪ ،‬على حساب غيره من الأنواع؛‬
   ‫نقي صا ٍف‪ ،‬فالشعر المعاصر على سبيل التمثيل‬
   ‫توجه نحو الدرامية والمسرحية وتعدد الأصوات‬       ‫فقد يسود نوع ما في فترة تاريخية ويكون الأكثر‬
  ‫وظهرت قصيدة القناع والقرين والمرآة وقصيدة‬
                                                   ‫أهمية من غيره‪ ،‬أما ما يتصل بقيمته الأدبية‪،‬‬
      ‫الشخصية التراثية أو المعاصرة أو التخييلية‪.‬‬
       ‫لا أريد هنا توسيع النظرة لرؤية كيف كان‬      ‫فينبغي أن تضبط في مواجهة بعض الأشياء‬

 ‫لفتوحات النظرية السردية المعاصرة دور كبير في‬      ‫الأخرى‪ ،‬فالقيم «تغير من مراتبها الهيراركية‬
  ‫النظر في السرديات التراثية‪ ،‬ومشكلاتها النوعية‪،‬‬
  ‫وعلاقة السرد التراثي بالسرد المعاصر‪ ،‬ولا أريد‬    ‫(=الهرمية)‪ ،‬ومفهومنا عن القيمة الأدبية يتغير‬
‫كذلك التوسع في دور الوسائط الحديثة مثل الإذاعة‬
                                                              ‫معها»(‪.)2‬‬
    ‫والسينما والتلفاز وشبكة المعلومات والوسائط‬
  ‫المتعددة في انتشار السرد وتشكله وإعادة تعريفه‬    ‫هذا يفضي بنا إلى القول‪ :‬إن توسيع مجال النظرة‬

                               ‫وتوسعة حدوده‪.‬‬       ‫على الأدب ليس من شأنه ترسيخ مبدأ هيمنة النوع‬
‫تأتي جدارة الإيماءة السابقة الذكر في كوننا نشهد‬
                                                   ‫الروائي‪ ،‬بل في ظني إنه لكاشف عن أرخبيل واسع‬
      ‫مرحلة تسافر فيها الآداب إلى وسائط جديدة‬
‫دعمتها تكنولوجيا الرقمنة والإلكترونيات والفضاء‬     ‫تحت تلك النظرة‪ ،‬يكشف عن قارة متكاملة بل‬

     ‫الشبكي وعوالم الميديا‪ .‬وهو تحول على درجة‬      ‫مملكة مترامية الأطراف لم نولها نظرة مدققة‪ .‬ذلك‬
  ‫كبيرة من التشابك‪ .‬فلقد أفرز التداخل بين الأدب‬
                                                   ‫أننا لا نعيش عصر الرواية حص ًرا؛ بل نعيش عصر‬
     ‫والتكنولوجيا أسئلة متنوعة حول شكل الأدب‬         ‫«السرد» بكافة أشكاله وأنواعه‪ ،‬أو بعبارة أخرى‬

                                                   ‫إن الجنس السردي هو المملكة الأدبية التي نعيش‬

                                                   ‫في كنفها‪ ،‬وتجري علينا قوانينه الجمالية وظواهره‬

                                                   ‫الإبداعية والجمالية‪ .‬فالمشهد الأدبي لا يمكن‬

                                                   ‫تصوره دون الصعود الواضح للقصة القصيرة‬

                                                   ‫ومزاحمتها للنوع الروائي بل انفجار ما يسمى الآن‬

                                                   ‫بالقصة القصيرة ج ًّدا (ق‪.‬ق‪.‬ج)‪ ،‬والحمى الإبداعية‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16