Page 12 - merit 47
P. 12

‫في العصر الحديث‪ ،‬وهكذا أصبحنا‪،‬‬                     ‫إن توسيع مجال النظرة على‬
‫نعي السرد بوصفه بنية تركيبية كبرى‬
                                                       ‫الأدب ليس من شأنه ترسيخ‬
   ‫أو بنية تنظيمية هائلة للفكر والثقافة‬
     ‫والفن والإبداع‪ .‬لم يعد بمستغرب‬                  ‫مبدأ هيمنة النوع الروائي‪ ،‬بل‬

‫الإشارة إلى اختراق التصورات السردية‬                ‫في ظني إنه لكاشف عن أرخبيل‬
 ‫وأبنيتها التنظيمية لكيفيات فهمنا للفكر‬
                                                   ‫واسع تحت تلك النظرة‪ ،‬يكشف‬
      ‫والتاريخ‪ ،‬بل رأينا إصباغ الطابع‬
     ‫الجمالي على التاريخ نفسه بوصفه‬                     ‫عن قارة متكاملة بل مملكة‬

      ‫حكاي ًة أو سر ًدا يخضع للشروط‬                ‫مترامية الأطراف لم نولها نظرة‬
 ‫نفسها التي تتوالد بها السرود الأدبية‪،‬‬
‫والقول بمشابهة الحبكة الأدبية للحبكة‬                ‫مدققة‪ .‬ذلك أننا لا نعيش عصر‬
 ‫التاريخية على نحو ما حاول أن يقارب‬
  ‫بول ريكور تلك المعضلة في عمله الفذ‬                 ‫الرواية حصًرا؛ بل نعيش عصر‬
‫(الزمان والسرد)‪ .‬بل ذهب هايدن وايت‬
‫إلى أن السرد التاريخي بمثابة شكل من‬                 ‫"السرد" بكافة أشكاله وأنواعه‬
 ‫أشكال القص‪ ،‬فلا يوجد تاريخ بمعنى‬
                                                            ‫ومصيره‪ ،‬وطبيعة النقد وفلسفته‪ ،‬وترسيم‬
     ‫المطابقة الكلية مع واقع الواقع‪ ،‬بل‬                ‫الحدود الجديدة بين جوانب التواصل المتنوعة في‬
 ‫يمكن الحديث عن الحبكة التاريخية أو‬                    ‫الحقل الأدبي‪ ،‬أي المبدع‪ ،‬والنص‪ ،‬والمتلقي‪ .‬وأدى‬
 ‫التمثيل التاريخي‪ .‬لقد تلقف منظرو ما بعد الحداثة‬       ‫ظهور الشبكة الدولية للمعلومات (‪World Wide‬‬
                                                       ‫‪ )Web‬عبر (الإنترنت ‪ )Internet‬إلى ميلاد عصر‬
      ‫تلك الإشكالية ووصلوا بها إلى منتهاها‪ ،‬ليس‬       ‫جديد‪ ،‬أطلق عليه عصر ما بعد جوتنبرج‪ ،‬أو عصر‬
 ‫لمقاربة السرد أو التاريخ أو العلم‪ ..‬إلخ فحسب‪ ،‬بل‬    ‫ما بعد الطباعة‪ ،‬أو عصر ما بعد الكتاب الورقي‪ ،‬أو‬
                                                       ‫عصر الكتاب الإلكتروني‪ ..‬إلخ‪ .‬وكلها مصطلحات‬
   ‫قاربوا المذاهب الفكرية والأيديولوجيات والأفكار‬      ‫دالة على أننا نشهد تح ُّو ًل وسائطيًّا‪ .‬تكمن أهميته‬
 ‫الشمولية والكلية والكونية بوصفها سرو ًدا كبرى‪،‬‬         ‫في إتاحته الجلية لسبل ووسائل لم تتح للبشرية‬
                                                       ‫في أي لحظة في تاريخها عبر الاتصال والتواصل‬
                  ‫تعبر عن نماذج تفسيرية للعالم!‬     ‫بين جميع البشر دون حتمية لحدود الزمن والمكان‪،‬‬
    ‫في خضم تلك المساحة الشاسعة يتشكل الملفوظ‬          ‫أي تحيي ًدا ‪-‬بمعنى من المعاني‪ -‬لارغامات التاريخ‬
                                                        ‫والوقت‪ ،‬والجغرافيا والحدود والأوطان‪ .‬وتلقي‬
        ‫السردي المعاصر‪ ،‬بوصفه ن ًّصا وخطا ًبا في‬        ‫تلك الحقيقية بظلالها على طبيعة الوسيط الجديد‬
      ‫آن‪ ،‬يخضع لشروط الإنتاج والتلقي والتداول‬
‫ومؤسسات اللغة والنوع والإبداع والجمالية‪ ،‬ينفتح‬           ‫التركيبية التي تتمازج فيه وتنكسر في آن‪ ،‬تلك‬
   ‫على الآني والتاريخي‪ ،‬بقدر ما ينفتح على المعطي‬        ‫الحدود الفاصلة بين الآداب والفلسفة والنظرية‬
    ‫التقني والسؤال الثقافي والاجتماعي‪ .‬ومن نافل‬       ‫الأدبية والنظرية الاجتماعية وتكنولوجيا التواصل‬
     ‫القول إن السرد الروائي والقصصي حاول في‬           ‫ووسائله‪ ..‬وهي منظومة معرفية على درجة كبيرة‬
  ‫كل ذلك ممارسة وعي نقدي وجمالي‪ ،‬اعتما ًدا على‬
   ‫تضفير النصوص والخطابات وتحويرها‪ ،‬بل قل‬                        ‫من الثراء المفاهيمي والجدة في الطرح‪.‬‬
                                                            ‫لقد تداخل المعطى البصري مع البعد اللفظي‬
           ‫إعادة تسريدها وفق بنية تركيبة جديدة‬      ‫والمكتوب في تشكيل البناء السردي على نحو مفصلي‬

                             ‫الهوامش‪:‬‬

‫‪1- Jonathan culler: Structuralist poetic, P169.‬‬
‫‪2- Thomas Kent: Interpretation and Genre,‬‬
‫‪Associated University Press, 1986, P 18.‬‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17