Page 15 - merit 47
P. 15

‫‪13‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                        ‫ف ِخ ْف ُت إ ْن ِهي ق ْد رأتني‬                ‫«سيعود من بلد بعيد»‪.‬‬
                                ‫أن تدار َي لهف ًة‬
                                                                      ‫وأول ما نطالعه في هذا الديوان العنوان‪« :‬سيعو ُد‬
                  ‫فكاحنملت ُتتنا ُشموبِقهاي لياليها الطوا ْل‬              ‫من بل ٍد بعيد»‪ ،‬إذ يمثل الثقل الدلالي للديوان‬
                                      ‫واختبأ ُت‬                       ‫كام ًل‪ ،‬ونجد في كل قصيدة من قصائده الثمانية‬

                             ‫لكي أداري َغ ْي َرتي‬                     ‫والعشرين في هذا الديوان عنوا ًنا يختلف عن الآخر‪،‬‬
                             ‫وتركت ملم َسها(‪)12‬‬                       ‫ولها دلالة تختلف عن الأخرى‪ ،‬لكنها –جمي ًعا‪ -‬تعبر‬
   ‫ثم يتابع الشاعر حديثه وإحساسه عندما يتذكر‬                            ‫عن المأساة الحقيقية للشاعر التي تبين لنا أزمات‬
‫ابنه إذ به يصاب برجفة تنتابه‪ ،‬ولكنها تذهب عندما‬
  ‫يبحث عنه ويفتش في جدران الحجرة‪ ،‬فيتحسس‬                              ‫الشاعر الداخلية (النفسية) والخارجية‪ ،‬والصوت‬
      ‫ابنه في هذه ال ُغرفة التي كان يعيش فيها منذ‬                     ‫الإيقاعي المُتصاعد من الألم الشديد الذي يتجه‬
           ‫صغره‪ ،‬منذ كان يرسم‪ ،‬ويلعب ويلهو‪:‬‬
                      ‫ككالَّنَماتحتاحوال ُِتص أر ُنن أينعجيوونب َكها‬  ‫نحو الأمل وهذا ما نسمعه مع كل قصيدة في هذا‬

                               ‫فانزوي ُت بغرف ٍة‬                                                           ‫الديوان‪.‬‬
                              ‫أخفي ُت في أركا ِنها‬                    ‫نلاحظ في عنوان الديوان « َسيعو ُد من بل ٍد بعيد»‬
                                                                      ‫أن الشاعر يبدأ بفعل يدل على المستقبل القريب‪،‬‬
                                ‫خطوا ِت َك الأولى‬
                             ‫وأو َل ما نطقت ب ِه‬                      ‫وإخفاء الفاعل المستتر (هو) في الغائب؛ لأن ابنه‬
                        ‫وأن َت ترك َت في جنبا ِتها‬
                             ‫بع ًضا من الأورا ِق‬                      ‫(إسلام) بالفعل غائب في بلد ال ُغربة‪ ،‬فهو غائب عن‬
                      ‫كن َت حمل َتها في سلتي ْن(‪)13‬‬                   ‫بلده‪ ،‬غائب عن أهله‪ ،‬وربما سيعود بعد فترة‪ ،‬وها‬
 ‫ولم يترك الأب المكان هكذا حتى يشتم رائحة ابنه‬
                            ‫بين جدران الحجرة‪:‬‬                                            ‫هو ينتظر عودته‪.‬‬
                        ‫حتى إذا ما ازدا َد شو ِقي‬                     ‫‪ -1‬ثلاثية العشق وال ُغربة(‪:)11‬‬
                  ‫كن ُت أرح ُل في غيا ِب َك بين بي ْن‬
                         ‫لأش َّم ريح َك في الجدا ِر‬                   ‫إذا انتقلنا إلى القصائد الشعرية داخل الديوان‬
                             ‫ووقع ك َّفيك اللتين‬
                                                                         ‫نجد عنوا ًنا رئي ًسا يضعه الشاعر لأول ثلاث‬
                                ‫تشكلا ِن سفين ًة‬                      ‫قصائد يفتتح بها الديوان وهي‪« :‬ثلاثية العشق‬
                     ‫تجري على مو ِج البحا ْر(‪)14‬‬                      ‫وال ُغربة»‪ ،‬ويندرج تحتها ثلاث قصائد بعناوين‬
    ‫فنرى الشاعر في الثلاثة أسطر الأخيرة يصور‬
‫َك َّفي ابنه بالسفينة التي تجري على موج من الحزن‬                      ‫مختلفة؛ الأول‪« :‬الغيرة من الشوق»‪ ،‬والثاني‪:‬‬
  ‫والشوق؛ لبعده وسفره بعي ًدا‪ .‬إن الحنين الطاغي‬
 ‫على الأ ِب يجعله يوافق على سفر ابنه‪ ،‬ولكن عندما‬                      ‫«غريب يلقاه غريب»‪ ،‬والثالث‪« :‬عودة الابن إلى‬
     ‫يطول السفر إذ به يعود ويلوم نفسه على هذا‬
      ‫القرار‪ ،‬ولماذا وافق على بعد ابنه عنه؟ فيقول‪:‬‬                    ‫أحضان أبيه»‪ ،‬وكلها تتحدث عن ُبعد ابنه عنه‬
                                                                         ‫وسفره الذي طال‪ ،‬ولم يعد إليه بعد غربته‪.‬‬
                           ‫اغم ْض عيو َن َك بره ًة‬
                        ‫كيلا يعاو ُدك الرحي ُل؟!‬                      ‫أ‪ -‬الغيرة من الشوق‪:‬‬
                   ‫ولسوف أجل ُس في انتظا ِر َك‪،‬‬
                                                                      ‫وإذا تحدثنا عن صورة حقيقية وتجربة شعورية‬
                                        ‫كل لي ٍل‬
                                                                      ‫عايشها وعاشها الأب‪ /‬الشاعر؛ وهي صورة الأ ِب‬

                                                                      ‫الحزين بعد سفر ابنه (إسلام) وغربته خارج‬

                                                                      ‫بلده‪ ،‬فنجد الأب الذي عاش بين الجدران في حجرة‬

                                                                      ‫ابنه يحدثها وتحدثه‪ ،‬يعيش لحظات كان يخبئها‬

                                                                      ‫عن زوجته؛ حتى لا تراه فتزداد حز ًنا وبكا ًء كلما‬
                                                                                                           ‫تذكرته‪:‬‬
                                                                      ‫أا ِّمرتَكجافت ِه‬  ‫حي َن ارتمي َت بصد ِر‬
                                                                                         ‫هزني وج ٌه تب َّدل في‬
                                                                                          ‫تبلور واستدا َر‪،‬‬
                                                                                         ‫فكاد يأخذ ِن المدا ْر‬

                                                                                             ‫حتى انتبه ُت‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20