Page 18 - merit 47
P. 18
العـدد 47 16
نوفمبر ٢٠٢2
كي لا أنف َض ما قد علِ َق ِب َها بأنك مثل النخل ِة
وأعاو ُد غل َق منا ِف ِذها إن هزوا جذ َع َك
حتى لا أبدو منزو َع الشو ِق ت َّساقط رط ًبا()26
ونرى معاناة الشاعر عندما يعبر بكلمات الرحيل
عي ِن َّي م ْن تهر َب فأدو ُر يستخدم كلمات بها حرف الحاء المهموس ،وكأن
كي لا الشاعر يختبئ خلف الحرف ،فنراه يريد -من
ملام ُح َك وراء قلبه -أن يعبر عن عدم رضاه على سفر ابنه
موأْرن َعتلىُتغذاادك ُررِ،تي(.)29 الذي وافق عليه ،فجاءت هذه الكلمات ،والتي بينها
ثم ينهي الشاعر القصيدة بكلمات عامية (أغنية) تجانس ،مع الإيقاع الصوتي بنبرة هادئة ،فيقول:
فارحل حي َن يحي ُن رحيلُ َك
يودع فيها ابنه الذي ما زال يتشوق ويتوق إلى واتركهم حتى لا يهنو(.)27
ونرى في السطر الثاني مدى توفيق الشاعر في
رؤيته حتى وهو مسافر: استخدام ألفاظ القرآن الكريم ،وخاصة في قوله:
فارح ْل حين تراني أرد ُد أغني ًة: «واتركهم حتى لا يهنو» ،فالفعل (يهنو) معناه:
)بالسلامة يا حبيبي بالسلامة عدم الضعف ،وقد تأثر الشاعر بقول الله تعالى:
ُّ«م َْوؤ َ ِمل ِن َتي ِهَن ُن»(و8ا.َ )2و َلوكَتأ ْحن َزا ُنلأواب َويأَنش ُت ُمجعا ْهلَ ْععللَىْو ا َنلرإِحني ُكلن ُتم
بالسلامة تروح وترجع بالسلامة ويقوي من عزيمته ويشد على أهل البيت بألا
يضعفوا أمام رحيله؛ فيبقى ابنه معهم ،وتضيع
تيجي زي الفرحة ،تيجي بالابتسامة عليه فرصة السفر ،ولكن هيهات هيهات الرحيل.
بالسلامة يا حبيبي بالسلامة
يا حبيبي ..يا حبيبي)
هنا نتساءل :هل الشاعر يحاول أن يعتزل عن
الآخرين في غرفة ابنه بسبب سفره؟ ربما هذه
واحدة من الأسباب التي جعلت الشاعر يجلس
بالساعات داخل غرفة ابنه ويقلب بين الأوراق لعله -3عاد إلى غربته
يجد شيئًا من نسمات ابنه التي كانت تمر عليه كل
يوم وهو معه ،وربما حاول الشاعر معاتبة نفسه إذا انتقلنا إلى القصيدة التالية نجدها بعنوان« :عاد
إلى ُغربته» ،وهنا وقفة عند الصورة التي عرضها
بسبب سماحه لابنه بالسفر ،ولكن هذه هي الحياة! الشاعر عندما اشتاق إلى ابنه ،فقل ُبه في َمحبس يتد َّل
حيث لا يجد ابنه في هذه ال ُغرفة التي تجمعهما م ًعا،
الخاتمة
وصورة (فأدق على أوردتي ،كي أنفض ما قد
هذه هي الحياة ،وهذه هي الظروف التي جعلت كل
ابن يسعى باحثًا عن العمل بجد واجتهاد ،وننتهي علق بها ،وأعاود غلق منافذها) هل تمنى الشاعر
إلى هذه القصيدة الخامسة من الديوان الذي ما الموت؟ أم ماذا؟ إن أي أب يمر بهذه الظروف يتمنى
يزال يحمل الكثير والكثير من المعاني والصور
البارزة والخفية ،مع الأسلوب والشخصية القوية رؤية ابنه قبل رحيله من الدنيا ،فيقول:
للشاعر وحضوره داخل كل كلمة ،بل وكل حرف عا َد إل َى غر َب ِت ِه
فتف َّس َخ قل ِبي
يكتبه. وتناث َر
وهكذا فإن الغربة والاغتراب في شعر محمد مح َب ِس ِه وتد َّل م ْن
الشحات لم ينتهيا بعد ،ولم ينضب هذا الديوان بما شو ُق
فيه من نصوص شعرية تمثل معاناة الشاعر في كن ُت أحاو ُل ألاَّ ينفل ُت
ففأيدف ُّقض ُعحل ِن َىيأورد ِتي
حياته