Page 22 - merit 47
P. 22
علاقة السيرة الذاتية بالرواية يمكننا القول إنه بالرغم من التقارب
ورواية السيرة الذاتية
الأدبي بين الجنسين ،إلا أن السيرة
قد يقول قائل ،إن فن السيرة الذاتية
مخالف ومتباعد عن فن الرواية ،لكن الذاتية تعتمد الذات كمحور رئيسي
الحقيقة أن الرواية قد اعتبرت من أكثر
الأنواع تداخ ًل مع السيرة الذاتية ،بل في بناء الأحداث ،كذلك الشأن لكاتب
شكلت البناء الأساس الذي انبثق منه مبدأ
تداخل الأجناس الأدبية ،وأن عملية الفصل السيرة الذاتية ،فهو أدرى بذاته وما
بينهما ليست بالأمر الهين ،رغم الفارق
يختلج بها من مشاعر وأحاسيس،
الكبير في التعريف.
إذا كانت السيرة الذاتية حسب فيليب وذلك بهيمنة ضمير المتكلم ،في
لوجون« :حكي استعادي نثري يقوم به
شخص واقعي عن وجوده خاص ،)9(»..وأن حين تبقى السيرة الغيرية مرتبطة
تعريفه هذا قد تم إعادة صياغته من قبل
صاحبه نفسه ،إذ إن الظفر بتعريف جامع بخاصية الموضوعية في وصف
للسيرة أمر عسير ،فإن الرواية بطبيعتها ما
هي «إلا سرد لمجموعة من الأحداث ،ورصد وتصوير الأحداث والوقائع وهيمنة
لشخصيات وعلاقات معينة ،تحكمها مجموعة من
الروابط السردية ،التي تكون عالم الرواية»(.)10 ضمير الغائب.
ورغم ذلك «تتخذ الرواية لنفسها ألف وجه وترتدي
في هيئتها ألف رداء ،وتتشكل أمام القارئ تحت ألف فض ًل عن ذلك تختلف السيرة الذاتية عن الغيرية في
شكل ،مما يعسر تعريفها تعري ًفا جام ًعا مان ًعا»(.)11 مواضع أخرى ،إذ «تنبع السيرة الذاتية من الداخل
ليتبين لنا أن الرواية شأنها شأن السيرة الذاتية، متجهة نحو الخارج ،على عكس الاتجاه الذي تمشي
فكلا الجنسين يصعب تعريفها تعري ًفا شام ًل ،وأن فيه السيرة الغيرية ،ونجاح المترجم الذاتي يقاس
بنسبة الذاتية فيما كتب ،أما نجاح من يكتب سيرة
الوصول إلى حد جامع صعب المنال.
على الرغم من أن لكل تعريفه الخاص ،إلا أن هناك غيره فيقاس بمقدار تجرده وغيريته»(.)7
علاقة إشكالية قائمة بين السيرة الذاتية والرواية، لنصل إلى «فارق جوهري بين السيرة الذاتية
تمثلت في التداخل بين الجنسين ،وهذا التداخل أدى والسيرة الغيرية ،فليس المقصود من السيرة الذاتية
أن يتتبع الكاتب تاريخ حياته وحسب ..ولكن الأخطر
إلى ظهور فروقات ومشتركات ينبغي دراستها، هو أن يتعمق أحاسيسه ،ويسجل نبضات قلبه وهذا
لينزاح الضباب والغشاوة ،وتتضح الصورة عن
طريق تبيان مواطن التلاقي وكذا مواطن الاختلاف. ما لا يقوى عليه كاتب السيرة الغيرية»(.)8
وأول ما ينبغي أن نشير إليه بخصوص السيرة إ ًذا ،يمكننا القول إنه بالرغم من التقارب الأدبي بين
الذاتية وعلاقتها بالرواية هو أن «كلاهما يتأسس الجنسين ،إلا أن السيرة الذاتية تعتمد الذات كمحور
على قصة حياة بطل فرد قد يدخل في صدام مع رئيسي في بناء الأحداث ،فكما يقال «أهل مكة أدرى
محيطه ،وقد يكون راف ًضا لنواميس المجتمع ،قل ًقا، بشعابها» ،كذلك الشأن لكاتب السيرة الذاتية ،فهو
ساخ ًطا يعيش في علاقة إشكالية مع كل ما يحيط أدرى بذاته وما يختلج بها من مشاعر وأحاسيس،
به»(.)12 وذلك بهيمنة ضمير المتكلم ،في حين تبقى السيرة
ومن الذين قدموا للعلاقة بين السيرة والرواية الغيرية مرتبطة بخاصية الموضوعية في وصف
وتصوير الأحداث والوقائع وهيمنة ضمير الغائب
العائد دائ ًما على المسرود عنه.