Page 60 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 60
العـدد 25 58
يناير ٢٠٢1
زكريا محمد
(فلسطين)
تمرة الغراب
ساكتة كلها .فالفجر أرض السكوت لا أرض الكلام. لقيت تمرة في يد غراب ،فاختطفتها من يده .لقيت
من لا يقفل في الفجر فمه ،فسيقفله له الله يوم حصا ًنا مسرو ًجا ،فعلوته .هكذا أنا يا هنيدة ،يا
القيامة .سوف لن يكون قاد ًرا على النطق باسمه
واسم أبيه .ولن يدخل الجنة أب ًدا. بنت عمي ،أجد ولا أضيّع .آكل ولا أشبع .هكذا أنا:
روحي إبريق خمر ،وفمي نجمة.
الطيور لم تخرج من وكناتها بعد .فهي ليست قادرة
على فصل الخيط الأبيض عن الخيط الأسود من وليس هناك من يردعني .أندفع مقف ًل عيني كأنني
سيل .كأنني حجر قذفه ر ّبه .أتوقف فقط كي
الفجر بعد .إذ هما يلتفان على بعضهما مثل حيتين
تتسافدان على الرمال. أضع اللثام على فمي ،أو كي أجعل بعوضة تسحب
بخرطومها عينة دمي.
يسحب الفجر ناقته وراءه ،وهو لا يعرف لونها:
أهي سمراء أم بيضاء ،أم هي خيط أسود وخيط تمنّيت طوال عمري أن تمسكني قبضة وأن تزرعني
في الطين .أن تدحوني ك ّف مثل كرة عجين ،وأن
أبيض؟ هو لا يدري .يسحب هذا الوقت المحيّر
البهيم وراءه ،ويمشي. ترميني في بيت النار .لكن هذا لم يحدث أب ًدا .ظللت
فالتًا يا هنيدة .أكسر السياج وأعبر ،أخطف التمرة
يمسك الفجر بيد أمه العمياء ويسحبها وراءه :من
هنا يا أمي ،من هنا .وتمشي أمه العمياء وراءه. من يد الغراب وأفطر.
يمشيان م ًعا نحو النور الذي فتح للتو ،مثل جرو أنا لا أخ ّوف بأي شيء .لا بالنار ولا بأشقائها
ثعلب َف َن ٍك ،عينيه. السبعة .لست فتى بعد كي أخ ّوف .لست فانو ًسا
*** كي يطفئني أحد بنفخة فم.
لكن آه يا هنيدة ،أنت تعلمين أن كل هذا أباطيل،
لو كان للشجرة أم لكنت أنا .لو كان لها أخ ضرير وأنني كاذب كبير .تعلمين أنني مطواع ،وأن الليل
لكنت أنا كذلك. يضع ذراعه تحت إبطي ،ويصحبني كي نسكر
م ًعا .أن النهار يم ّر ويأخذني كي نسرح م ًعا .أضع
تصعد في قلبي أغنية ،وتصعد في دماغي غيرها. تمرة في فم الغراب وأمشي .أترك الحصان في المرآة
هكذا أنا ،أعاكس نفسي .عندي فرس ولا أعرف في
وأمضي.
الخيل .عندي محبس في إصبعي ولا أعرف كيف لقيت حصاة ،فجعلتها لساني .لقيت هنيدة ،فجعلتها
أقفل باب الليل.
متن كتابي.
أردت أن يملأ لي أحد كأسي وأن يشرب معي .بل
أردت أن يكسرني على الحجر كأنني زجاجة. ***
سقط زر قميصي على الأرض يا أميمة .فخيطيه لي، يقود الفجر ناقته .يمسك بزمامها ،ويمشي أمامها.
ثم اربطيني بجذع الشجرة .أريد أن أثغو مثل حمل لا يركبها .فهذه ناقة لا ُتحلب ولا ُتركب .الجنادب