Page 86 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 86

‫العـدد ‪27‬‬                           ‫‪84‬‬

                                                                                           ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

                            ‫محمد رفيع‬

                            ‫تحولات السجان والمسجون‬
                            ‫والقضبان‬

   ‫تحت قدمي‪ ،‬وإذا مرضت‪ ،‬هر َع ُخ َّدامي كالمجانين‬                                       ‫‪ -1‬مرآة السجان الحية‬
‫ليعالجوني‪ ،‬ولا يسألونني عن ذلك َأج ًرا‪ .‬بالطب ِع هذه‬
                                                                                     ‫في السنوا ِت الأولى ظلل ُت أع ُد الأيا َم والأسابي َع‪،‬‬
       ‫جنتي دخل َتها حين أكلت التفاح َة مر ًة أخرى‪.‬‬                                 ‫وأجر ُح لو َن الحائ ِط بخطو ٍط بيضا َء كلما مررت‪،‬‬
‫أنا أسع ُد خل ِق اللهِ في وحدتي هذه‪ ،‬الغ ُد لا يخيفني‬                           ‫والآن توقف ُت‪ ،‬توقف ُت تما ًما عن ع ِد الأيام‪ ،‬حد َث ذلك‬
‫أب ًدا ولا يزورني حين تأتي الزيار ُة‪ ،‬أعر ُف أنه‬                                ‫عندما تذكر ُت حياتي لآلا ِف المرات‪ ،‬ودقق ُت التذك َر في‬
‫يترب ُص بي خل َف الجدرا ِن وأنه حت ًما سيد ُس الس َّم‬                           ‫ك ِل ربوع شبابي‪ِ ،‬من يو ِمها عشق ُت الجدرا َن وقرر ُت‬
‫في طعامي يو ًما‪ ،‬لكني كلما وجد ُت الطعا َم بلا سم‬                                 ‫أن أتزو َجها وأسك ُن إليها وفيها‪ ،‬دخل ُت بها في ليل ٍة‬
‫فيه‪ ،‬أحيا حيا ًة جديدة‪ .‬هل أهداك عد ُوك يو ًما‪ ،‬حيا َة‬                             ‫قارس ٍة‪ ،‬و ِمن يو ِم ُدخلتِنا الصامتِة لا أجر ُح لو َنها‬
                                                 ‫جديدة؟‬
                                                                                                         ‫برس ِم أحلا ٍم ليست لها‪.‬‬
‫وح َده السجا ُن أسع ُد مني‪ ،‬فهو رضوا ُن حارس‬                                    ‫حد َث ذلك في اليو ِم الذي أدرك ُت فيه أنها َتحميني ِمن‬
‫جنتي وجنة الآخرين‪ ،‬وفي اللي ِل يذهب خل َف الأسوا ِر‬                             ‫شب ٍح مخي ٍف‪ ،‬شب ٌح ظل يلع ُب بي كق ٍط جائ ٍع يستمت ُع‬
‫يستزيد من ملذا ِت الجحي ِم ما يعينه على تح ّم ِل‬
‫رضوان‪،‬‬      ‫فوهجذههي فصيدفالٌة لاصباتل ِحي‪،‬قبابلزطنبزاِعناٍة اسن ُمفهرالديية‪.‬س‬      ‫بتلك الرقص ِة الأخيرة لفأ ٍر خائ ٍف‪ .‬أنا كن ُت الفأ َر‬
‫كان اس ُمه‬                                                                       ‫وق َط الغ ِد لم يرحم ِن أب ًدا أو قط‪ .‬راو َدني عن عمري‬
‫مهران‪ ،‬كم فكر ُت في اس ِمه وسأل ُت ن ْفسي عشرا ِت‬                                 ‫وأغراني برز ٍق لا يأتي‪ ،‬نعم أنا بط ُل ذكرياتي؛ فأ ٌر‬
   ‫دائ ًما‬  ‫ربما لأنه يقف‬   ‫هو مهران؟ قل ُت‪:‬‬   ‫المرات؛ لماذا‬
‫فاستحق‬      ‫هنا و ِمن هناك‬  ‫ويأخذ َمه َره ِمن‬  ‫على الحاف ِة‪،‬‬                       ‫يتسك ُع في درو ِب الحيا ِة‪ ،‬وأنت كذلك‪ .‬منذ أن أكل‬
                                                                                    ‫ج ُّدك التفا َح َة هناك في الأعالي‪ ،‬من يو ِمها لا تكا ُد‬
                                     ‫مهرا َن اس ًما ونصيبًا‪.‬‬                      ‫تفل ُت من قب ِضة الغ ِد حتى يمسك ذي َلك ويش ُدك إلى‬
‫خل ِق اللهِ لا محالة‪ ،‬ملاب ُسه مفرود ٌة دائما‬    ‫هو أسع ُد‬                        ‫ف ِمه‪ ،‬وعند حاف ِة الرع ِب‪ ،‬حين يهر ُب د ُمك ويستحم‬
  ‫قام ُته فارع ٌة‪ ،‬يمس ُك كربا ًجا لام ًعا‪ ،‬وفي‬  ‫كنظرا ِته‪،‬‬                        ‫«بالأدرينالين»؛ يتر ُكك الغ ُد تهر ُب من جديد‪ ،‬وإذا‬
‫حزا ِمه الميري ك َّشا ٌف أنيق‪ ،‬حين يضغط أزرا َره‬                                  ‫ما قرصه الجو ُع في أحشائه وولول ْت عليك النسو ُة‬
‫يتعجل الصبا َح ويغزل منه خي ًطا يقتل به الظ َل‪،‬‬
‫لا أرى غي َره طوا َل الأيا ِم التي حفر ُت لها خطو ًطا‬                                                     ‫وانسا َب القرآ ُن يرثيك‪.‬‬
‫شاحب ًة على الحيطا ِن‪ ،‬وعندما توقف ُت عن ع ِد الأيام؛‬                              ‫أنا هنا في زنزانتي الأنثى‪ ،‬لا أرى الغ َد ولا يراني‪،‬‬
                                     ‫أغني َارلهل َهأيا ًضصا‪.‬طفاه‬  ‫أ َر‬    ‫لم‬     ‫هي مملكتي وأنا رئي ُسها وشع ُبها وطرقع ُة أصابعي‬
‫ويحرس‬       ‫هذا‪،‬‬  ‫بدو ِره‬   ‫ليقو َم‬                               ‫ُب َّد‬  ‫لا‬
                                                                                     ‫نشي ُدها الوطني‪ .‬والرز ُق الذي شدني إليه الغ ُد‬
                                                                                       ‫كي يو ِقع بي فيما مضى‪ ،‬يأتيني هنا و ُيرمى‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91