Page 88 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 88

‫العـدد ‪27‬‬  ‫‪86‬‬

‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

 ‫وتشاجرنا على أعقا ِب السجائر وح ّمام الصباح‪ .‬هل‬
‫صرت لديهم عد ًما؟ تطايرت الضحكا ُت المختلسة مع‬

  ‫دخان السجائر‪ .‬هل يعرفون ما حدث لكنهم اتفقوا‬
    ‫على السكوت؛ لكيلا يفضحوا َمن َدس لي السم؟‬

 ‫والسجانون الآخرون‪ ،‬ومأمور السجن‪ ،‬والمفتشون‪،‬‬
       ‫ماذا دهاهم؟ ألم يلاحظوا أنني لست مهران؟‬
      ‫غيّر طري َقه عند هذا السؤال‪ ،‬وبد ًل من الذها ِب‬

  ‫لزوجتِه‪ ،‬ذهب لزو ِجة السجا ِن‪ .‬قبّلها تما ًما كما في‬
‫حكايات مهران؛ وأخذ د ًشا وجلس على الطبلي ِة يأكل‪،‬‬
‫وبعدها د ّخن النرجيل َة في الشر ِفة المطلِة على الحارة‪.‬‬

   ‫والناس حين يلمحونه يرفعون أياديهم صائحين‪:‬‬
 ‫«مرحب يا صول مهران»‪ .‬الأر ُض برا ٌح أمامه‪ ،‬لكنه‬

    ‫ليس ح ًّرا‪ ،‬لا يستطيع الخروج من حيا ِة مهران‪،‬‬
     ‫ولا الرجوع إلى حيا ِته التي صارت باهت ًة كفيل ٍم‬
  ‫قديم تقادمت نسخ ُته‪ ،‬والذي زاد من ه ِّمه أنه لا أ ّم‬
  ‫له ليسألها‪ ،‬ولا عائلة ليلملِم هوي َته منهم‪ ،‬كان على‬
   ‫عك ِس المسي ِح مولو ًدا بلا أ ّم‪ ،‬ببساط ِة لأنه لم يولد‬
 ‫إلا من قص ِة ‪-‬وحده لا يموت‪ -‬كما اتفقنا أنا وأنت‪،‬‬
 ‫وربما حني ُنه إلى السج ِن هو حني ٌن إلي القص ِة ذاتها‪.‬‬
‫نظر للأولاد الذين في البيت‪ ،‬كانوا يهابونه كما حكى‬

         ‫له مهران‪ ،‬يقبّلون يده ويحبون أ ّمهم أكثر‪.‬‬
 ‫جلس على السرير‪ ،‬وأغلق عليه الباب‪ ،‬أغمض عينيه‬

    ‫وحاول تذ ّكر شكل زوجتِه‪ ،‬ويستدعي ملام َحها‬
  ‫في عينيه‪ ،‬وحين أتت الملام ُح بكى‪ ،‬وتمنى لو يعود‬

     ‫للسج ِن مر ًة أخرى‪ ،‬ليكون هو نفسه‪ ،‬يعود إلى‬
      ‫اس ِمه‪ ،‬بد ًل من جحيم الآخرين الذين ين ِكرونه‬
     ‫فيعذبونه‪ .‬بالطبع لم يد ِر أن ابنة الجيران خلف‬
‫الجدار‪َ ،‬كتبت في نفس اللحظة على صفحتها «الجحيم‬
    ‫هو الآخرون‪ -‬سارتر العظيم»‪ .‬كتبت ذلك بعدما‬
 ‫انفصلت عن حبيبها‪ ،‬ربما لأنه خانها أو سافر دون‬
   ‫أن يو ّدعها‪ ،‬لا أدري في الحقيقة غير أن مهران أو‬
 ‫َمن ينام في سريره قام من حل ِمه مفزو ًعا‪ ،‬واستعاذ‬
‫من الشيطان‪ ،‬لا لم يكن الأمر كما تظن أو كما ع ّودك‬
  ‫الكتّاب‪ ،‬أن يستيقظ البطل من حلمه في النهاية‪ .‬بل‬
  ‫كان كابو ًسا حقيقيًّا الذي رآه‪ ،‬فقد شاهد نفسه في‬
  ‫طريق منزلهم القديم‪ ،‬عاق ًدا العزم أن يرى زوجته‬
   ‫ويقضى ليلة هناك‪ ،‬يستنشق عطرها ويبحث عن‬
 ‫هويته بين طيات الجسد‪ .‬وفي الصباح يذهب لل ِقسم‬
      ‫كي يسلّم نفسه‪ ،‬ويعترف أنه انتحل شخصية‬
   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93