Page 93 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 93
91 إبداع ومبدعون
قصــة
-ربما علمت بما بيننا. تائه ،كمثل أفكاره ،لا يسمن ولا يغني من حيرة..
قالت متألمة: -لا أذكر شيئًا من هذا.
-مسكينة.
علقت حقيبتها على كتفها .دارت -وكأنما تهرب-
ثم أطرقت تضيف الحليب إلى الشاي بالقدر الذي مسرعة إلى الخارج ،عقب إلقاء قول موجز لا تتوقع
يحبه..
له إجابة..
-ولكن بماذا سيفيدها أن تدعي موتي؟ -الموت خطب يصعب نسيانه.
لم تزل سدود تعترض مسارات أفكاره فترده إلى
***
الحيرة خائبًا.
-لا أعرف. سلم البناية استطال صباح اليوم؛ زادت منحنياته
بزوايا حادة مؤلمة ،وتضاعف عدد درجاته .رحلة
صوته المحمول على تنهيدة ،أوجعها .ربتت على كفه هبوط مازوخية انتهت به إلى الطابق الأرضي ،حيث
بيد ،وبالأخرى أطعمته قضمة من شطيرة.. الوجه ميمم شطر الشارع وضوء الصباح ،والظهر
مولي -حز ًنا -إلى باب شقتها .الخطوة الأولى تجذبه
-يجب أن نضع في الحسبان كافة الاحتمالات. نحو الشمس ،ولكن يصد تقدمه صوت بابها يفتح.
-مثل ماذا؟
استدار على لهفة غير منتظرة ،فرآها على عتبة
تنهدت حتى لا يتهدج صوتها فيختنق وهو ينطقها.. بابها تشير إليه بالإسراع إلى الدخول؛ الحركة على
-ربما مت بالفعل. السلالم نشطة ككل صباح شتوي مزحوم بمواعيد
-أنت مجنونة ..كيف تتحدثين عن موتك وأنت روتينية لأعمال ومدارس وجامعات ،والمطلقة
جالسة قبالتي ،تطعميني وتسقيني؟! الوحيدة لها لحم طري يجذب أنياب الأقاويل.
طاوعها وهرع إليها .عندما أغلق الباب عليهما
وضعت بين يديه ابتسامتها ،وحنان صوتها.. اعتصرها ،حتى سألته الترفق .أجلسته إلى طاولتها
-يا صغيري ،ما يدريك كيف هو الموت؟ ووضعت أمامه الشاي وشطائر التونة التي يفضلها
-أنا أعرف كيف هي الحياة ..وأنت حية أمامي. للفطور.
-أح ًقا؟! -لماذا تتأملني هكذا؟
-زوجتي أخبرتني أنك مت بالأمس.
سحب يديه في لحظة ملامسة يدها الساعية نحوه.. شهقت وبسطت ك ًّفا فوق صدرها ،عساه يبطء
-هل اتفقتما علي أنت وزوجتي؟! ماذا دهاك؟
خفقان القلب..
منذ متى يجالس الأحياء الموتى ،ويتناولون م ًعا -وهل هذا صحيح؟
الطعام؟! هز رأسه كاش ًفا عن حيرة..
-لا أعرف ..تبدين حية بالنسبة لي.
أشارت له بكفين مبسوطين في الهواء أن اهدأ.. -أتقصد أن زوجتك كاذبة؟
-حسنًا ..ربما أنا لست ميتة ..ولكن ما أدراك أنك -ما أخشاه أن تكون نطقت بما تتمناه.
وضعت يدها على فمها لتكتم شهقة جديدة..
حي؟ -ولكن لماذا تتمنى زوجتك موتي؟
-ماذا تقصدين؟ خوفه من التطرق إلى شكوكه ولو بالقول ،كان
-ربما نحن الإثنان موتى! كمثل خوفه من تحققها .لكن لا وقت لمزيد من
اتسعت ابتسامتها معجبة بالفكرة ،وعندما أردفت موازنة الأمور ،عليهما أن يتكاشفا بحجم الورطة
كان صوتها متهد ًجا حماسة.. التي قد تبتلعهما ،عساهما م ًعا يجدان با ًبا للخروج.
-تخيل ..لهذا نتناول م ًعا فطورنا كما اعتدنا..
ليس لأننا حيين ..وإنما لأننا ميتين .تخيل معي..
أنت لم تتحمل موتي ،لم تتحمل فكرة الحياة مع
مصاصة الدماء تلك دوني ،فمت بعدي ..تخيل مدى
الرومانسية.
كان يحبها حين تتحدث بتلك الطريقة .ألق الطفولة
في عينيها ،ونزق الأحلام الجميلة في يديها اللتين