Page 96 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 96

‫العـدد ‪27‬‬  ‫‪94‬‬

                                                     ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

                                         ‫ساعة‪.‬‬           ‫غير مرئيين‪ ..‬وإن رأونا‪ ،‬فلن يستاؤوا‪ ،‬فما على‬
    ‫كتمت شهقة بأصابعها الطويلة المضمومة أمام‬                                            ‫الموتى حرج‪.‬‬

                                       ‫شفتيها‪.‬‬           ‫نهض ما ًّدا يده‪ ،‬ينتظر لحظة الاشتباك‪ .‬نهضت‪،‬‬
             ‫‪ -‬أي عمل؟! اليوم الجمعة يا حبيبي!‬              ‫اشتبكت معه بابتسامة أشرقتها على وجهه‪..‬‬
‫وضع كفيه على رأسه‪ ،‬محاو ًل شقها والوصول إلى‬
  ‫مخه عساه ينهال عليه بضربتين فيعود إلى العمل‬        ‫‪ -‬ليس بهذه السرعة‪ ..‬دعني أتأنق وأتزين‪ ،‬كأجمل‬
 ‫بشكل سليم كأي جهاز معطل‪ .‬هي اندفعت نحوه؛‬                                                    ‫عروس‪.‬‬
       ‫أخذت رأسه على طراوة نهديها‪ ،‬واحتضنته‪.‬‬
     ‫‪ -‬لا بأس يا حبيبي‪ ..‬ربما أنت متعب‪ ..‬عد إلى‬       ‫هرعت إلى حجرة نومها فتبعها‪ .‬جلس على الفراش‬
              ‫فراشك‪ ،‬وأنا سأعد لك فطور الملوك‪.‬‬         ‫يتأملها‪ .‬ارتدت أجمل ثوب عندها‪ .‬فتحت صندوق‬
                                                        ‫زينتها المهمل‪ .‬قلم الكحل كان يدور حول عينيها‬
                      ‫انتفض مبتع ًدا عن حضنها‪.‬‬       ‫ببراعة حذرة‪ ،‬يرسم سوا ًدا جدي ًدا يأكل من السواد‬
    ‫‪ -‬لحظة‪ ..‬هذا الارتباك الواقع سببه أنني ميت!‬        ‫القائم‪ .‬هو كان يصارع إحسا ًسا بأن ما يصير قد‬
                                                      ‫صار من قبل‪ .‬الفرشاة كانت تبدر على خديها آثا ًرا‬
                       ‫بالطبع‪ ..‬تلك هي الحقيقة‪.‬‬         ‫باهتة لورود ربانية أذبلتها الأيام‪ ،‬ووجهه مظلل‬
                      ‫لم تكتم شهقتها هذه المرة‪..‬‬        ‫بإضاءة باهتة‪ ،‬تبعثها شكوك لم يقو على كتمانها‬
            ‫‪ -‬أعوذ بالله‪ ..‬ماذا تقول يا صغيري؟!‬
  ‫‪ -‬الحقيقة‪ ..‬لقد تذكرت الآن‪ ..‬أنت قلت لي إنك لم‬                    ‫بأنه قد شاهد هذا المشهد من قبل‪..‬‬
   ‫تريدي إيقاظي لأنك ظننت أنني متعب من الموت!‬                                      ‫‪ -‬شيء ما خاطئ!‬
  ‫لقد كنت تقصدين موتي أنا‪ ،‬وليس موت جارتنا‪.‬‬
                                                         ‫الحمرة الفاقعة كانت لم تزل تتشكل على الشفة‬
                                     ‫‪ -‬جارتنا؟!‬                            ‫العليا حين توقفت لتجيبه‪..‬‬
‫توقف مبتل ًعا اندفاعه وقد ظن أنه ربما أخطأ القول‪.‬‬                                       ‫‪ -‬ماذا تعني؟‬

     ‫‪ -‬بلى‪ ..‬المطلقة في الطابق الأرضي‪ ..‬لقد ماتت‬                  ‫كان عليه أن يواري اندفاعه في كذبة‪..‬‬
                           ‫بالأمس‪ ..‬أليس كذلك؟‬       ‫‪ -‬هندامي لا يليق بجمالك‪ .‬أنا كذلك يجب أن أرتدي‬

      ‫علقت كتفيها في الهواء كما يفعل اللامبالون‪..‬‬         ‫أفضل ثيابي‪ .‬انتظريني أمام البناية‪ ،‬سأوافيك‬
   ‫‪ -‬بلى ماتت‪ ..‬ولكن ما لنا بتلك المطلقة الشمطاء؟‬                                            ‫سري ًعا‪.‬‬
 ‫الأمر لم يتع َّد أكثر من ضرورة تقديم واجب ثقيل‪،‬‬
                                                                         ‫وكأنما يهرب‪ ،‬أسرع مغاد ًرا‪.‬‬
                  ‫تجاه جارة لم نكن نحبها أص ًل‪.‬‬
      ‫لهجتها كانت أكثر براءة وبساطة مما توقعه‪،‬‬                       ‫***‬
       ‫فصدقها‪ ،‬وإن بقيت في عقله شوائب ظنون‪.‬‬
                                                        ‫أغلق الباب خلفه؛ ظلام شقته يغريه بالانزواء في‬
                          ‫‪ -‬أنت لا تعرفين إذن؟‬         ‫خلوة ليسائل نفسه حول ما يحدث‪ ،‬ولكن الضوء‬
                                  ‫‪ -‬أعرف ماذا؟‬
                                                         ‫أتاه من عند حجرة النوم‪ ،‬لحظة اجتياز الزوجة‬
  ‫لم يتعجل الرد؛ عليه أن يهدأ قبل أن يفسد حياته‪،‬‬     ‫لبابها؛ ترتدي لباس النوم‪ ،‬تحت وجه أفسد ملامحه‬
‫عليه أن يجد مسا ًرا جدي ًدا للحديث مبتع ًدا عن مدار‬
                                                            ‫طول التراخي على الوسادة‪ ،‬تبرز منه عينان‬
                              ‫ما يجب ألا تعلمه‪.‬‬                            ‫منتفختان‪ ،‬نصف مغلقتين‪.‬‬
                 ‫‪ -‬تعرفين إن كنت حيًّا أم ميتًا؟!‬
                                                                         ‫‪ -‬إلى أين ذهبت باك ًرا هكذا؟!‬
                                   ‫‪ -‬حي طب ًعا‪.‬‬                                   ‫‪ -‬ماذا تفعلين هنا؟!‬
‫عندما تذكرت ليلتهما أشرق وجهها باللون الوردي‪.‬‬
                                                       ‫السؤال الحاد أجبر جفنيها على إتمام رحلتهما إلى‬
   ‫‪ -‬في الحقيقة أنت أكثر حياة من أي يوم مر على‬                                         ‫تمام الانفتاح‪.‬‬
                                        ‫زواجنا‪.‬‬
                                                                         ‫‪ -‬ماذا تعني؟! أنا كنت نائمة‪.‬‬
                                  ‫‪ -‬ماذا تعنين؟‬       ‫‪ -‬غير صحيح‪ ..‬أنت خرجت إلى عملك منذ أقل من‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101