Page 92 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 92

‫العـدد ‪27‬‬                           ‫‪90‬‬

                                                               ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

‫أحمد الملواني‬

‫صباح الموت‬

‫لامتلاكها العلم بما يجب ألا تعلمه‪ .‬تشرد به العقل‬     ‫قلم الكحل كان يدور حول عينيها ببراعة حذرة‪،‬‬
   ‫بين جهله بسبب القول‪ ،‬وشكوكه حول طريقة‬            ‫يرسم سوا ًدا جدي ًدا يأكل من السواد القائم‪ .‬عيناه‬
                                         ‫قوله‪.‬‬      ‫كانتا تتفتحان على مهل‪ ،‬تغتصبان الحق في الحياة‬
                            ‫‪ -‬موت؟! أي موت؟‬        ‫على غير إرادة جفنين مثقلين بالنوم‪ .‬الفرشاة كانت‬
                              ‫أدارت له رأسها‪..‬‬       ‫تبدر على خديها آثا ًرا باهتة لورود ربانية أذبلتها‬
                         ‫‪ -‬أقصد موت جارتنا‪.‬‬         ‫الأيام‪ ،‬ووجهه يتقلص غضبًا وقد فطن إلى حقيقة‬
                                  ‫‪ -‬أي جارة؟‬
   ‫صمتها طال محتو ًيا عمق نظرتها لوجهه‪ .‬مالت‬                                             ‫الوضع‪..‬‬
      ‫بجزعها ‪-‬متجاهلة‪ -‬تلتقط حقيبتها‪ ،‬متفقدة‬                                   ‫‪ -‬لماذا لم توقظيني؟‬
                                   ‫محتوياتها‪.‬‬         ‫الحمرة الفاقعة كانت لم تزل تتشكل على الشفة‬
                                     ‫‪ -‬تكلمي‪.‬‬                            ‫العليا حين توقفت لتجيبه‪..‬‬
                       ‫‪ -‬لا وقت لدي لألاعيبك‪.‬‬      ‫‪ -‬لم أشأ إزعاجك‪ ..‬يومك بالأمس كان طوي ًل‪ ،‬ولم‬
         ‫‪ -‬ألاعيبي أنا؟! أنا لا أفهم عما تتكلمين‪.‬‬      ‫أتوقع أنك سترغب في الذهاب إلى عملك اليوم‪.‬‬
                                                    ‫رفع الجسد المتيبس؛ أجبره على التشكل بما يشبه‬
‫الصمت عاد ليصطحب نظراتها إليه لفترة‪ ،‬قبل أن‬
  ‫يسلمها عند نقطة محددة إلى كلمات خرجت من‬                                               ‫الجلوس‪..‬‬
                            ‫فمها حادة منفلتة‪..‬‬       ‫‪ -‬أنا لست تحت وصايتك لتتخذي قراراتي بد ًل‬
   ‫‪ -‬جارتنا‪ ..‬المطلقة ساكنة الطابق الأرضي‪ ..‬ألم‬
                      ‫تحضر جنازتها بالأمس؟!‬                                                  ‫مني‪.‬‬
     ‫تشتت بين احتمالات كذبها وجنونه‪ .‬احتمال‬         ‫تأملت كامل زينتها في المرآة؛ كل لون في موضعه‪،‬‬
   ‫تلاعبها به ‪-‬لإجباره على كشف ما لا ُيكشف‪-‬‬
    ‫قائم؛ واحتمال زوال الحدث من رأسه ‪-‬لفرط‬                           ‫بقدر ما يلائم الألوان الأخرى‪.‬‬
  ‫الصدمة‪ -‬قائم كذلك‪ .‬استقر في النهاية على قول‬       ‫‪ -‬أنا مخطئة‪ .‬ظننتك متعبًا من الموت‪ ..‬ربما حزينًا‬

                                                                                            ‫كذلك‪.‬‬
                                                        ‫ضغطت بقدر متساو في قسوته على الأحرف‬

                                                           ‫الأربعة لكلمة «حزين»‪ ،‬في تصريح ضمني‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97