Page 156 - m
P. 156

‫العـدد ‪58‬‬                           ‫‪154‬‬

                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫عانته أوروبا أثناء الحربين من‬        ‫في السودان‪ .‬فكم من حضارة‬          ‫سعد عبد الرحمن بحر الدين من‬
    ‫فظائع لما قوى عودها واشتد‪.‬‬      ‫كبرى أودت بها الهجمات المتكررة‬          ‫رابطة الوطن والإخاء في الدين‬
     ‫ولو لم يتعرض اليهود لمحنة‬                                               ‫أمتن من أي انتماء ضيق‪ ..‬إن‬
‫الهولوكوست لما ع َنت لهم الوجوه‪.‬‬         ‫من شعوب صغيرة متبربرة‬               ‫استغلال من نظموا هذا الغزو‬
   ‫ولولا الحرب الأهلية الأمريكية‬    ‫تربض في الجوار القريب‪ .‬فذلك ما‬           ‫الاستيطانى اسم قبائل جهينة‬
 ‫لما أصبحت أمريكا أعظم دولة في‬       ‫فعله التتار بالدولة العباسية‪ ،‬وما‬      ‫بالسودان هو أشد جوانب هذا‬
‫التاريخ‪ .‬ولولا التصميم الذي تولد‬                                            ‫المكر دهاء وأكثرها تعقي ًدا‪ .‬ذلك‬
 ‫لدى الشعب الصيني بعد انقضاء‬          ‫فعله ال ِوندال والقبائل الجرمانية‬     ‫أنه من شأن هذا الاستغلال أن‬
 ‫ما سمي قرن المذلة ‪Century of‬‬           ‫بالإمبراطورية الرومانية‪ ،‬وما‬
 ‫‪ )١٩١٥ -١٨١٤( Humiliation‬لما‬                                             ‫يطلق عصبيات ضيقة من عقالها‪.‬‬
                                      ‫فعله النورمانديون بإنجلترا‪ .‬بل‬          ‫فإذا ما انجر السودان مجد ًدا‬
                 ‫نهضت الصين‪.‬‬             ‫هذا هو ما يعكف من خططوا‬             ‫وراء تلك العصبيات فسيشهد‬
 ‫لا أشك مطل ًقا أن المحنة التي نمر‬
                                    ‫لهذا الغزو لفعله الآن‪ .‬إذ هل أتاك‬      ‫انبعا ًثا جدي ًدا لفتنة دارفور‪ .‬وإذا‬
    ‫بها اليوم من هذا الطراز الذي‬     ‫نبأ معسكر العوينات الذي دمره‬         ‫ما سار السودان في هذه الطريق‬
‫ينضج الأمم‪ .‬فهي َحرية بأن تدفع‬        ‫نسور الجو أول من أمس –وقت‬
                                                                             ‫الن ِكدة فسيوقظ فتنة تتضاءل‬
 ‫لسائر شعاب الحياة بجيل جديد‬            ‫متابة المقال‪-‬؟! وهل علمت ما‬      ‫إزاءها الفتنة التي اشتعلت في عهد‬
‫تعتقه هذه المأساة‪ .‬وهي كفيلة بأن‬        ‫روى من أنه كان فيه أربعون‬
                                         ‫ألف مقاتل بعدتهم وعتادهم‬          ‫الخليفة عبد الله التعايشي‪ .‬فتن ٌة‬
 ‫تولد لدى النخبة السياسية رؤية‬                                             ‫تجتاح السودان كله فتقسمه إلى‬
  ‫ثاقبة تستثمر هذه الفرصة التي‬            ‫وتاتشراتهم؟! فإذا كان هذا‬       ‫فسطاطين‪ ،‬فسطاط لمن اس ُته ِدفوا‬
  ‫واتت من بين فرث ودم لتطوير‬           ‫المعسكر بالعوينات حيث تطاله‬         ‫بهذا الغزو وفسطاط لمن يعتبروا‬
  ‫مشروع جامع يتجاوز الألاعيب‬          ‫طائراتنا المقاتلة‪ ،‬فما يدريك لعل‬      ‫ضمن من كانوا وراءه‪ .‬تقسي ًما‬
 ‫الصغيرة التي قعدت بنا نح ًوا من‬      ‫المعسكر القادم يكون في أجدابيا‬      ‫جزافيًّا وعلى الهوية‪ .‬وهكذا يكون‬
                                     ‫أو غيرها من المواقع الليبية‪ .‬ومن‬    ‫من خططوا لهذا الغزو الاستيطانى‬
                    ‫سبعة عقود‪.‬‬          ‫ثم فإن أوجب واجباتنا هو أن‬         ‫قد نجحوا في مشروعهم بالرغم‬
‫ما إن اندلعت هذه الحرب إلا وكان‬        ‫نتخذ من الترتيبات ما يعصمنا‬
                                                                                ‫من الهزيمة العسكرية التي‬
 ‫كل من لاقيته أو هاتفني من غير‬            ‫من زيارات لاحقة ومتكررة‬          ‫حاقت بهم‪ .‬ذلك أنهم سيكونون‬
  ‫السودانيين يقول لي إنه ما كان‬     ‫لهؤلاء العربان لديارنا في الجنينة‬      ‫قد غرسوا البذرة الأولى لتفتيت‬
                                                                         ‫السودان وإغراقه في حروب أهلية‬
    ‫يظن أن معين السودانيين من‬         ‫أو نيالا أو الفاشر أو الخرطوم‪.‬‬
    ‫التسامح والصبر على بعضهم‬         ‫فقد عرف هؤلاء العربان السبيل‬                 ‫لا تقوم له بعدها قائمة‪.‬‬
                                       ‫لبلادنا‪ ،‬وعرف من هم وراءهم‬            ‫وهكذا تواتي هؤلاء المخططون‬
      ‫يمكن أن ينضب‪ .‬وكان ذلك‬          ‫كيف يوظفونهم‪ .‬ولن يقوم بنو‬              ‫فرصة جديدة لتوطين أعراب‬
    ‫القول يوجعني ولا يواسيني‪.‬‬
  ‫غير أن عزائي كان هو أن هؤلاء‬           ‫السودان بهذا الواجب إلا إذا‬            ‫الشتات بالسودان‪ .‬فبسبب‬
   ‫لا يعلمون أن الذين اتخذوا من‬         ‫تجاوزوا هذا الكيد الكبير بأن‬            ‫الفسطاطين سيكون الناظر‬
     ‫عاصمة بلادنا مضما ًرا للعبة‬    ‫يتذكروا وصية شاعر صه يا كنار‬          ‫مادبو عد ًّوا للسلطان بحر الدين‪.‬‬
                                    ‫«فاذا تبدد شمل قومك فأجمعن»!‬              ‫وبسبب الفسطاطين ستخفت‬
       ‫الموت هذه‪ ،‬ما هم من بني‬      ‫فان هم فعلوا ونجحوا في صد هذا‬        ‫أصوات مسار وصلوحة والصافي‬
  ‫ُجلدتها ولم يتشربوا لِبانها‪ .‬فقد‬   ‫الغزو وهذه الهجمات هجمة وراء‬          ‫وأضرابهم‪ ،‬فلا يصدعون بقولة‬
   ‫أُتي بهم غزاة ووفدت إلينا من‬      ‫هجمة ستنفتح لهم بعدها مغاليق‬
  ‫وراء الحدود ومن دول الشتات‪،‬‬        ‫المستقبل‪ .‬فالتجارب القاسية هي‬                ‫الحق لدى القائد الجديد‪.‬‬
‫السودانيون لهم بالمرصاد إن شاء‬       ‫التي تبني الأمم‪ .‬وقد مرت الأمم‬            ‫إن هؤلاء العربان هم المهدد‬
                                         ‫العظيمة كلها بتجارب مريرة‬         ‫الخارجي الأول للوحدة الوطنية‬
    ‫الله وهزيمة مشروعهم الظالم‬        ‫مثل التي تعركنا اليوم‪ .‬فلولا ما‬
                           ‫الآثم‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161