Page 154 - m
P. 154

‫النظار في دارفور وكردفان رائدة‬                             ‫العـدد ‪58‬‬                          ‫‪152‬‬
   ‫في ابتدار المصاهرات مع قبائل‬
   ‫سودانية أخرى‪ .‬وحذا حذوهم‬                                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬          ‫سياسية لكيانين فرعيين‪.‬‬
       ‫الكثيرون من أفراد قبائلهم‬                                                            ‫ولكن شتان بين أبناء جهينة‬
       ‫فاختلطت الدماء وتمازجت‬      ‫ما عليها‪ ،‬شأنها في ذلك شأن كل‬                       ‫السودان وعربان الشتات‪ .‬فبسبب‬
    ‫الأعراق وتشابهت الملامح‪ .‬ثم‬             ‫قبائل السودان الكبرى‪.‬‬                           ‫الهجرات التي تطاولت زما ًنا‬
                                                                                       ‫وتباعدت مكا ًنا تباينت المجموعتان‬
‫جاء التسلك في الجندية والشرطة‪،‬‬      ‫وحازوا في ربوع غرب السودان‬                            ‫تباينًا كبي ًرا رغم وحدة الأصل‬
     ‫والالتحاق بالتعليم النظامي‪،‬‬      ‫حواكير فسيحة غير متنازعة‪.‬‬                            ‫والاسم‪ ،‬فاتخذتا طرائق قد ًدا‬
      ‫وامتهان الوظيفة الحكومية‪،‬‬         ‫ف َن ِعم الهبانية‪ ،‬مث ًل‪ ،‬بدارهم‬                  ‫وصارت لكل منهما شخصيتها‬
                                       ‫«ال َك َلكة الما ليها َم َلكة»‪ ،‬واعتز‬                ‫وهويتها الخاصة‪ .‬تلحظ ذلك‬
   ‫والاشتغال بالتجارة والزراعة‪،‬‬                                                              ‫في اختلاف اللهجات وطرق‬
  ‫والانتظام في الأحزاب السياسية‬      ‫المسيرية بدار «دينقا أم الديار»‪.‬‬                    ‫التحية والمأكل والملبس والنظافة‬
                                      ‫وعلى ذلك قس‪ .‬إذ ما من قبيل‬                          ‫الشخصية والمحكيات التراثية‪.‬‬
       ‫الكبرى والطوائف الدينية‪،‬‬                                                            ‫كما تلحظه في رقة الدين لدى‬
 ‫وانتشار الراديو والتلفاز‪ ،‬وذيوع‬          ‫منهم إلا وله بادية لا تقل‬                     ‫عربان الشتات وجهلهم بالشعائر‬
                                      ‫مساحتها عن إنجلترا‪ .‬ثم برز‬                             ‫والشرائع وبغضهم للغريب‬
   ‫أغنية الحقيبة‪ ،‬وشيوع رياضة‬          ‫منهم أفذاذ في الإدارة الأهلية‬                       ‫وعنصريتهم المفرطة وضعف‬
      ‫كرة القدم‪ ،‬وما الى ذلك من‬     ‫ممن ش ُّبوا في بيئة صاغها ترتيل‬                    ‫دور المرأة لديهم‪​..‬إضافة إلى الأثر‬
                                   ‫القرآن وتلاوة راتب الإمام المهدي‬                      ‫الذي نتج عن اختلاف الهجرات‪،‬‬
    ‫ممسكات الوحدة الوطنية‪ .‬ثم‬       ‫وصهيل الخيول وأزيز النحاس‪،‬‬                          ‫هناك تباين آخر بين المجموعتين‬
   ‫ترابطت أصقاع البلاد المترامية‬       ‫فتشربوا الفضائل السودانية‬                       ‫حدث بسبب انصهار قبائل جهينة‬
  ‫بالسكك الحديد وطرق الإسفلت‬        ‫كاب ًرا عن كابر‪ ،‬وأطلق حكماؤهم‬                         ‫السودانية في البوتقة الوطنية‬
  ‫فتواصل الناس وتآلفوا‪ ،‬ثم كان‬     ‫من طراز الناظر بابو نمر والناظر‬                          ‫في هذه البلاد نح ًوا من ثلاثة‬
‫الانفعال بالقضايا الوطنية الكبرى‬    ‫موسى مادبو والناظر علي الغالي‬                         ‫قرون‪ ،‬طورت فيها هذه القبائل‬
  ‫مثل الاستقلال وقضية الجنوب‬          ‫مقولات جرت مجرى الأمثال‪.‬‬                             ‫ولا ًء لوطنها الجديد وامتزجت‬
    ‫وثورة أكتوبر ونزاع حلايب‪.‬‬         ‫وقد زامل هؤلاء أضرابهم من‬                             ‫في أعراقه المتعددة‪ .‬فشاركت‬
                                        ‫زعماء العشائر الأخرى مثل‬                       ‫قبائل جهينة السودانية في ملاحم‬
     ‫أصابت جهينة السودانية من‬         ‫شيخ العرب عوض الكريم أبو‬                           ‫السودان ومشاهده الكبرى بد ًءا‬
      ‫كل ذلك بقسط‪ ،‬مما أدى إلى‬        ‫سن والناظر علي التوم ن ًّدا لند‬                      ‫بمعركة المقدوم هاشم سلطان‬
‫تكثيف تفاعلها في الفضاء الوطني‬      ‫وبادلوهم و ًّدا بود‪ .‬وكانت بيوت‬                        ‫المسبعات ضد السلطان تيراب‬
‫وتقارب مزاجها وبقية السودانيين‬                                                           ‫عام ‪ ١٧٩٠‬ميلادية‪ .‬حيث دخلت‬
     ‫وتوحدها معهم في الوجدان‪..‬‬                ‫محمد حمدان دقلو‬                           ‫تلك القبائل في حلف مع العبدلاب‬
 ‫كما ظهرت في بوادي هذه القبائل‬                                                           ‫لمناصرة المقدوم هاشم‪ .‬كيف لا‬
    ‫كبريات المدن ووسيطاتها من‬                                                           ‫وكانت لها موجدة ضد السلطان‬
 ‫شاكلة نيالا وبرام‪ ،‬وعد الفرسان‬
    ‫والضعين والفولة والدبيبات‪،‬‬                                                                ‫تيراب وسلفه اللذين أساءا‬
‫فعرف قاطنوها مخالطة المجتمعات‬                                                             ‫معاملتهم وسلَّطا زبانيتهما على‬
   ‫والمنتديات الجامعة والمناسبات‬                                                          ‫الظعائن والقطعان عند عبورها‬
                                                                                       ‫بلادهما‪ .‬وضربت جهينة السودان‬
         ‫المفتوحة وتعدد الأعراق‪.‬‬                                                       ‫بسهم وافر في الثورة المهدية‪ ،‬التي‬
     ‫وحين اتفق السودانيون على‬                                                             ‫خرجت منها لها ما لها وعليها‬
       ‫إعلان الاستقلال من داخل‬
   ‫البرلمان انبرى لتقديم الاقتراح‬
    ‫عبد الرحمن دبكة ناظر عموم‬
‫بني هلبا‪ .‬لم ينل الناظر دبكة ذلك‬
   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159