Page 197 - m
P. 197

‫‪195‬‬              ‫الملف الثقـافي‬

‫جون ستيوارت ميل‬  ‫إرنست رينان‬     ‫إبراهيم مدكور‬                                    ‫تواجدها(‪.)5‬‬
                                                                              ‫و ُتعتبر المدرسة‬
     ‫ويعد أصول الفقه عل ًما‬       ‫والإبقاء‪ ،‬فقبل بيكون وميل‪،‬‬             ‫الاستشراقية من أكثر‬
‫متجد ًدا؛ لأنه يضع لنا قواعد‬       ‫و َّظف المسلمون هذا المنهج‬       ‫المدارس تحام ًل على التراث‬
                                   ‫في الأدلة‪ :‬كاستبعاد الظني‬        ‫العربي الإسلامي‪ ،‬فقد كان‬
     ‫جديدة وأحكام جديدة‪،‬‬            ‫وإبقاء القطعي‪ ،‬مثل‪ :‬إبقاء‬       ‫هم هذه المدرسة في دراسة‬
      ‫ومناهج لم نعتد عليها‪،‬‬      ‫حديث متواتر مقابل استبعاد‬         ‫التراث استخلاص العناصر‬
    ‫وليست ظاهرة في النص‬          ‫حديث آحاد في مسألة علمية‬                ‫الأجنبية فيه ورده إلى‬
                                 ‫محددة‪ .‬أو استبعاد الضعيف‬          ‫مصادر غير إسلامية‪ ،‬ونزع‬
                    ‫الديني‪.‬‬                                         ‫المساهمة العربية الإسلامية‬
  ‫ومن ثم فهناك في الفلسفة‬            ‫وإبقاء القوي في المسائل‬      ‫في ميدان الفكر وهكذا أصدر‬
                                  ‫العلمية الأخرى‪ ،‬وفي كل ما‬            ‫جماعة من المستشرقين‬
    ‫الإسلامية إشعاع فكري‬          ‫يخص التعارض والترجيح‪.‬‬                 ‫‪-‬وليس كلهم‪ -‬أحكا ًما‬
    ‫وعلمي‪ ،‬ومناهج منطقية‬                                          ‫قاسية على التراث الإسلامي‪،‬‬
‫وتجديدية قوامها الموضوعية‬                ‫وهذا يعني أن منهج‬             ‫وهي الأحكام التي تبلغ‬
                                       ‫الاستبعاد والبقاء كان‬       ‫درجة مغالى فيها من الجور‬
       ‫والواقعية في معالجة‬                                                   ‫والتحيز والذاتية‪.‬‬
  ‫القضايا الفلسفية‪ ،‬بيد أننا‬              ‫راس ًخا في الموروث‬                ‫وتغاضت المدرسة‬
                                     ‫الإسلامي‪ ،‬فالقياس مليء‬          ‫الاستشراقية في ‪-‬بداياتها‬
     ‫لسنا بصدد البحث عن‬          ‫بمناهج الاستبعاد والإبقاء في‬            ‫الأولى على الأقل‪ -‬عما‬
 ‫وجود فلسفة تعالج المشاكل‬         ‫إثبات العلة وهي التي تجعل‬       ‫ينطوي عليه الفكر الإسلامي‬
‫الفلسفية بطريقة أصيلة حتى‬          ‫ال ِقياس َق ْط ِعي‪ ،‬وعلي سبيل‬  ‫من عناصر إبداعية وتجديدية‬
                                 ‫المثال‪ :‬دليل السبر والتقسيم‪،‬‬          ‫وقيمة مضافة إلى الفكر‬
    ‫نسميها فلسفة إسلامية‪،‬‬          ‫وهذا الدليل لا يكون إلا في‬
    ‫وليس هناك ما يدعو أن‬            ‫الأوصاف المتعددة‪ ،‬وذلك‬                         ‫الإنساني‪.‬‬
  ‫نناقش القائلين بهذا الرأي‪،‬‬      ‫بإبعاد وصف وإبقاء أخر(‪.)7‬‬       ‫فالجنس السامي الذي ينتمي‬
‫فما يزعمونه لا يدللون عليه‪،‬‬                                       ‫إليه المسلمون ‪-‬خلا ًفا للجنس‬
 ‫وأن التناقض سمة أساسية‬
  ‫من تفكيرهم‪ ،‬في هذا الرأي‬                                           ‫الآري المتفوق فلسفيًّا‪ -‬لم‬
                                                                     ‫يثمر فلسفة خاصة بحكم‬
                                                                   ‫طبيعته السامية‪ ،‬التي جعلت‬
                                                                   ‫الاقتباس والتقليد والتعريب‬
                                                                     ‫أقصى ما بلغه ومنتهى ما‬

                                                                                    ‫وصله(‪.)6‬‬
                                                                      ‫لكننا إذا أمعنا النظر فيما‬
                                                                    ‫أنتجه العقل الإسلامي علي‬
                                                                       ‫مر العصور سنجده قد‬
                                                                    ‫استعمل مناهج جديدة قبل‬

                                                                        ‫أن يتطرق إليها الغرب‪،‬‬
                                                                      ‫وكان له السبق فيها‪ ،‬علي‬
                                                                  ‫سبيل المثال‪ :‬منهج الاستبعاد‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202