Page 7 - merit 49
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

   ‫الحياة بشكل طبيعي‪ ،‬وأن تمشي مسيرات‬                ‫الأول‪ ،‬والأقرب للمنطق في تصوري‪ :‬أن الناس‬
  ‫صغيرة متفرقة في بعض الشوارع الجانبية‪،‬‬                 ‫انسحبوا من المشهد‪ ،‬على قاعدة أنهم ليسوا‬
 ‫وتنف ُّض سري ًعا بعد التقاط صور وفيديوهات‬               ‫طر ًفا في الصراع‪( ..‬الصراع) بين السلطة‬
   ‫تكون مادة للبرامج الموجهة‪ ،‬وقبل أن تلحق‬            ‫الحاكمة من ناحية‪ ،‬وعناصر جماعة الإخوان‬
 ‫بها قوات الشرطة القريبة‪ ،‬تصوري هذا يعبر‬
                                                     ‫المسلمين الذين يتحركون من منافيهم ويدعون‬
    ‫أكثر عن الحالة الآن‪ ،‬حالة الغضب المتفرق‬             ‫للتظاهر‪ .‬هذا الانسحاب –لو صح‪ -‬سيكون‬
   ‫غير المنظم‪ ،‬مع بعض الخوف من الملاحقات‬                  ‫تط ُّو ًرا خطي ًرا‪ ،‬فالناس الذين التفوا حول‬

     ‫الأمنية‪ ،‬لكن أن تنعدم مظاهر الحياة بهذا‬         ‫(المشير) في ‪ ،2013‬وانتخبوه رئي ًسا في ‪2014‬‬
‫الشكل‪ ،‬فأمر يدعو للقلق لا للطمأنينة كما أراد‬              ‫بنسبة كاسحة أمام منافس مهم‪ ،‬خرجوا‬

              ‫النظام وأنصاره أن يصوروه!‬                 ‫من المشهد الآن‪ ،‬ربما لأن أحوالهم المعيشية‬
                                                         ‫تتدهور باستمرار‪ ،‬ويبدو الأمل ضعي ًفا في‬
   ‫انتهازية الجماعة وتضحيتها‬                          ‫تحسنها لو سارت الأمور على هذا النحو‪ ،‬على‬
            ‫بالجميع!‬                                     ‫الرعم من الدعاية الكثيفة التي تتحدث عن‬

‫على الجانب الآخر هناك سؤال في غاية الأهمية‪،‬‬                       ‫الإنجازات والمشروعات الكبرى‪.‬‬
    ‫وهو‪ :‬إلى من كان إعلاميو جماعة الإخوان‬            ‫الثاني‪ ،‬وأرى أنه وجي ٌه بشكل كبير‪ :‬أن الناس‬
    ‫يوجهون خطابهم للتظاهر يوم ‪ 11‬نوفمبر؟‬
                                                        ‫خافت أن (تؤخذ في الرجلين) كما نقول في‬
‫في تحليل هذه الدعوات يمكن للمتابع أن يتلمس‬               ‫التعبير العامي‪ ،‬فهناك معلومات كثيرة عن‬
‫ثلاثة دوافع‪ :‬الأول أن نجاح (الدعوات ال َق ْبلِيَّة)‬    ‫قبض عشوائي‪ ،‬واحتجاز لفترات طويلة على‬
                                                         ‫ذمة قضايا عائمة‪ ،‬مثل الانضمام لجماعة‬
   ‫للتظاهر يوم ‪ 25‬يناير ‪ 2011‬لا تزال تغري‬             ‫إرهابية ونشر أخبار كاذبة‪ ..‬إلخ‪ ،‬غير حالات‬
 ‫المتسرعين الذين لا يقرءون التاريخ‪ ،‬ويظنون‬             ‫اختفاء مؤقت أو كلي‪ ..‬يمكنني أن أتصور أن‬
 ‫أنه يمكن تكرار الأمر أكثر من مرة‪ .‬الثاني أن‬             ‫المواطن العادي وجد أن أكثر الأماكن أما ًنا‬
  ‫تعويم الجنيه –للمرة الثانية في أقل من خمس‬            ‫له هو بيته‪ ،‬فلو حدثت مظاهرات سيشاهدها‬
‫سنوات‪ -‬وتراجع قيمته أمام الدولار من ‪8.88‬‬              ‫في القنوات الإخبارية الأجنبية‪ ،‬ولو لم تحدث‬
  ‫إلى حوالي ‪ 25‬جني ًها‪ ،‬أ َّثر على حياة الناس في‬          ‫سيشيِّر على صفحته صو ًرا (للقلش) على‬
 ‫مصر‪ ،‬خصو ًصا الطبقات الفقيرة والتي كانت‬               ‫الفاشلين الذين يريدون استنساخ ‪ 25‬يناير‪،‬‬
  ‫(وسطى)‪ ،‬فالقيمة الحقيقية للجنيه انخفضت‬                ‫الذين لا يعرفون أن التاريخ لا يعيد نفسه‪،‬‬
  ‫للثلث دون رفع الرواتب بالمقدار نفسه! وهو‬
 ‫ما قد يدفعهم للخروج على النظام تحت ضغط‬                      ‫وإن حدث فالإعادة ستكون مسخرة!‬
                                                      ‫الثالث‪ ،‬وأقلهم منطقية‪ :‬أن (المواطن الشريف)‬
   ‫الفقر والحاجة‪ .‬والثالث أن قمة المناخ (‪)27‬‬
   ‫كانت تقام في شرم الشيخ في الوقت نفسه‪،‬‬                ‫أخلى الشوارع عم ًدا لكي يتعرف النظام على‬
  ‫وهناك ضغط غربي كبير باتجاه ملف حقوق‬                   ‫أعدائه بسهولة ويتمكن منهم‪ .‬هذا الاحتمال‬
   ‫الإنسان في مصر‪ ،‬انطلا ًقا من حالة الناشط‬             ‫يحتاج إلى قرا ٍر وا ٍع جماع ٍّي‪ ،‬وهو مستبعد‬
 ‫والمدون علاء عبد الفتاح وإضرابه عن الطعام‬              ‫في ظني لأنه لم يكن ثمة توجيه بذلك‪ ،‬ومن‬
  ‫والشراب‪ ،‬بالإضافة إلى التقارير التي تصدر‬             ‫المستحيل أن يتخذ جميع الناس القرار نفسه‬
  ‫عن المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان‬
                                                                   ‫في اللحظة نفسها دون تنسيق‪.‬‬
      ‫ضد مصر‪ ،‬وتصنيفها في مرتبة متقدمة‬                    ‫أتصور أن قرار الناس جمي ًعا بالمكوث في‬
  ‫ضمن الدول التي تعتدي على الحريات العامة‬            ‫بيوتهم وإخلاء الشوارع والميادين بهذا الشكل‪،‬‬
                                                           ‫لا يقل خطورة –على أي نظام حكم‪ -‬عن‬
                                ‫والخاصة‪.‬‬             ‫تدافع الناس للتظاهر‪ ،‬المشهدان ليسا طبيعيين‬
     ‫َت َرا ُفق هذه الأوضاع م ًعا –من وجهة نظر‬          ‫وينذران بخطر ما‪ .‬كنت أتوقع (وكتبت هذا‬
‫الداعين للتظاهر‪ -‬كان يعطيهم الأمل في إمكانية‬              ‫على صفحتي قبل الموعد بأيام) أن تسير‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12