Page 10 - بيئة مصرية
P. 10
وهكذا انقلبت حياة المصري القديم من حالة البداوة إلى الاستقرار ،وعاش الناس في دور ثابتة يجاور بعضها
البعض ،وقامت بذلك القرى والمدن فوق التلال المرتفعة بعيداً عن فيضان النيل ،واختلط الناس بعضهم ببعض،
وظهرت الحاجة إلى تنظيم ذلك الاختلاط ومعرفة واجبات الفرد وحقوقه ،وخطا القوم أول خطوة في سبيل قيام
الحكومة بسن القوانين والخضوع لسلطة مركزية تعمل للصالح العام .
الفلاح في مصر القديمة
عندما نتحدث عن الزراعة لابد لنا أن نتحدث عن الفلاح وهو العامل الأول في عملية الإنتاج الزراعي ،وهنا لا
أقصد كلمة الفلاح بالمعنى المذكر لها أي الرجال ،بل أنا أقصد هنا الفلاح والفلاحة في مصر كلا بسواء سواء.
فالفلاحة المصرية لها نفس دور الفلاح فهي تساعد في أعمال الحقل من زرع وحصد ودرس وإطعام ماشية
وتصور لنا النقوش والمناظر الواردة لنا من العصر الفرعوني على جدران المقابر أن السيدة المصرية الفلاحة
كانت جنبا إلى جنب مع زوجها الفلاح فى الحقل ،بل وكان للصغار أيضا دور فى الحقل فهم من كانوا يطعمون
الماشية ويقدمون الشراب له.
وهذا الدور الفعال للأسرة المصرية القديمة المكونة من الفلاح وزوجته الفلاحة وأولادهم ،مازال حتى الآن فى
مصر وخاصة فى الصعيد أو فى أرياف الدلتا .وهكذا الفلاح المصري “الآن” وكأنما يعيش كما كان يعيش
أجداده فى عصر بناة الأهرام.
والفلاح المصري القديم وإلى الآن هو من أمهر الفلاحين فى العالم أجمع ،وذلك نتيجة لتراكم الخبرات لديه،
فهو فلاح أبن فلاح أبن فلاح أبن فلاح… .توارث ال ِفلاحة وزراعة الأرض من أجداده السابقين ،مما جعله
ماهرا فى عمله ،يعرف الحلول أذا ما صدفته مشكلة ويعرف كيف يحلها.
من خلال كل ذلك حول الفلاح المصرى القديم مصر إلى أنها أصبحت أكبر دولة فى العالم أنتاجا للمزروعات
والتى جعلت اقتصادها بطبيعة الحال قوى ،مما عاد على الشعب بالرخاء والثراء والذى ظهر واضحا جليا فى
مقابرهم والكنوز التى وجدت بها ،وحياة الطرف التى عاشوها وصوروها على جدران المقابر وفى البرديات.
ولا ننسى هنا عبقرية الفلاح المصرى أيضا فى الأدب والشعر والخطابة ،ورسائل الفلاح الفصيح خير دليل
على مدى ما وصل إليه الفلاح المصري القديم من رقى أخلاقى وفكر وذكاء.
بعد انقضاء أشهر الصيف وانحصار ماء النيل فى مجراه الأصلي تنكشف الأراضي وحينئذ تبتدئ حياة الفلاح
العملية فيأخذ أبقاره وآلاته ومعه أولاده إن كان له أولاد ويذهب إلى حقله ،فيبتدئ بعزق الأرض عزقاً خفيفاً
بفأسه ،أما الأرض إلى تم جفافها فيشقها بالمحراث كما نشاهد ذلك فى عصرنا الحالي ،وفى أثناء ذلك يسلى
نفسه بالغناء وهى عبارة عن جملتين أو ثلاث جمل وجيزة ذات نغمة موزونة ،يتبعها ضرب ما يتأخر من
الثورين ،ثم يأتي رجل يبذر الحبوب فى الخط خلف المحراث وتحثه الرعاة على المسير.
10