Page 172 - merit 38 feb 2022
P. 172

‫العـدد ‪38‬‬                            ‫‪170‬‬

                               ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                    ‫صحت عقيدته وإن لم يصح‬
                                                                ‫فقد أخطأ في تصوره‪ .‬فقد‬
‫فإذا فعل الإنسان شيئًا فإما‬       ‫هذا الاختيار إما أن يكون‬
 ‫أن يكون مختا ًرا فيه أو غير‬        ‫متص ًل بما قبله‪ ،‬أو بما‬   ‫ترك طه حسين الأمر للنقاش‬
‫مختار؛ فإن يكن مختا ًرا فهذا‬                                    ‫حول آراء المعري‪ ،‬ويرفض‬
  ‫الفعل واجب‪ ،‬وإن لم تتعلق‬       ‫بعده اتصال العلة بالمعلول‬         ‫اتهامات البعض له‪ ،‬فقد‬
                                        ‫والنتيجة بالمقدمة‪.‬‬      ‫تعلم طه حسين من الغرب‬
     ‫به قدرة الله وهو باطل؛‬                                      ‫الحوار‪ ،‬تعلمه من سقراط‬
     ‫لأنه يهدم أصل القدرة‪،‬‬        ‫والبحث في مشكلة الجبر‬
   ‫وإن يكن غير مختار فهو‬              ‫يكمن في محاولة فهم‬      ‫وأفلاطون وغيرهما‪ ،‬فأصبح‬
 ‫الجبر الذي لا شك فيه‪ .‬إذن‬                                        ‫يمتلك أدوات الحوار‪ ،‬ولا‬
   ‫الدين والفلسفة يتظاهران‬      ‫المعنى الميتافيزيقي للمشكلة‬               ‫يتعصب للرأي‪.‬‬
   ‫إثبات الجبر وإقامة الأدلة‬   ‫وعلاقته بالوجود الإنساني‪،‬‬         ‫وقد ذكر في بي ٍت قدم الله‬
 ‫عليه‪ ،‬فإذا بحثنا على الحياة‬                                       ‫وقدم الزمان م ًعا فقال‪:‬‬
   ‫العملية ولا سيما بالقياس‬       ‫من حيث أن هناك مشكلة‬             ‫خالق لا يشك فيه قديم‬
    ‫إلى أبي العلاء عرفنا أنها‬   ‫كبيرة بين الحرية ومشكلة‬            ‫وزمان على الأنام تقادم‬
                                  ‫الفعل الإنساني‪ .‬والمشكلة‬           ‫فجعلهما قديمين لكنه‬
       ‫تنتج الجبر أي ًضا(‪.)33‬‬                                             ‫فضل التنزيه(‪)31‬‬
    ‫ويقسم طه حسين الجبر‬           ‫يمكن وضعها في السؤال‬
  ‫إلى‪ :‬ما يتعلق بالأشخاص‪،‬‬           ‫الآتي‪ :‬إذا كانت الإرادة‬   ‫الجبر عند أبي العلاء‬

       ‫ما يتعلق بالجماعات‪،‬‬     ‫الإنسانية حرة مطلقة فكيف‬          ‫الجبر هو أن تنسب الفعل‬
 ‫فأحوالك الخاصة وظروفك‬           ‫نفسر العلاقة بين المشيئة‬           ‫للرب دون العبد‪ ،‬وهو‬
                                 ‫الإلهية والمشيئة الإنسانية‬
   ‫التي تكتنفك محدثة كانت‬                                        ‫مذهب قديم عند الفلاسفة‬
   ‫أم قديمة تحدد لك طريقك‬      ‫من جانب أن المشيئة الإلهية‬         ‫وكثير من أهل الديانات‪،‬‬
  ‫في الحياة‪ ،‬وكذلك الأحوال‬      ‫غالبة على المشيئة الإنسانية‬
                                 ‫إلا إذا اتفقتا‪ ،‬فمن البديهي‬   ‫فالاختيار لا يتفق مع القول‬
      ‫التي تكتنف الجماعات‬      ‫أن يتساءل المرء‪ :‬كيف يتسق‬           ‫بأن هذا العالم مبني في‬
  ‫والفرد والجماعة لا يملكان‬      ‫الجبر مع التكليف والثواب‬
                               ‫والعقاب‪ ،‬فإن ذلك يتنافى مع‬     ‫حركاته الاجتماعية والفردية‬
    ‫لهذه الظروف والأحوال‬                                           ‫للإنسان وغير الإنسان‬
                 ‫تبدي ًل(‪.)34‬‬      ‫مفهوم العدل الإلهي(‪.)32‬‬                      ‫على العلل‬
                                ‫وشمول القدرة يقتضي ألا‬                         ‫والأسباب‪،‬‬
           ‫يقول أبو العلاء‪:‬‬                                                 ‫وأن كل شيء‬
                                  ‫يكون في هذا العالم شيء‬                    ‫في هذه الحياة‬
                                 ‫إلا إذا تعلقت به قدرة الله‪،‬‬                 ‫نتيجة شيء‬
                                                                             ‫قبله ومقدمة‬
                                                                             ‫لشيء بعده‪،‬‬
                                                                                 ‫وفي هذه‬
                                                                           ‫الحالة لا يكون‬
                                                                                ‫للاختيار‬
                                                                           ‫موضع في هذا‬
                                                                           ‫العالم‪ ،‬ذلك أن‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177