Page 174 - merit 38 feb 2022
P. 174

‫العـدد ‪38‬‬                              ‫‪172‬‬

                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                                          ‫الصقل‬
                                                                        ‫ويعود إلى الشك فيقول‪:‬‬
     ‫نكذب العقل في تصديق‬                 ‫وقد ظهر مذهب وحدة‬            ‫وعييت بالأرواح أني تسلك‬
                    ‫كاذبهم‬                 ‫الوجود واض ًحا عند‬         ‫أما الجسوم فللتراب مآلها‬
                                          ‫اليونانيين في الفلسفة‬       ‫ومهما يكن شك أبي العلاء‬
‫والعقل أولى باكرام وتصديق‬                                             ‫في البعث فإنه لا يرتاب في‬
   ‫فشاور العقل واترك غيره‬                ‫الرواقية‪ ،‬الذين نشأت‬
                      ‫هد ًرا‬          ‫فلسفتهم لما فشلت فلسفة‬              ‫قدرة الله عليه فيقول‪:‬‬
    ‫فالعقل خير مشير ضمه‬               ‫أفلاطون وأرسطو طاليس‬          ‫وقدرة الله حق ليس يعجزها‬
                     ‫النادي‬         ‫في تحقيق الصلة بين العالم‬
    ‫أما لكم بني الدنيا عقول‬        ‫وموجده‪ ،‬فزعموا أن ليس في‬                ‫حشر لجسم ولا بعث‬
                                     ‫الوجود إلا قوة واحدة ذات‬                        ‫لأموات(‪)38‬‬
 ‫تصد عن التنافس والتعادي‬            ‫وجهة‪ ،‬أحدهما عقل صرف‬
     ‫فهذان البيتان لا يدعان‬           ‫به الحركة والآخر صورة‬             ‫«إن الروح الفلسفي لأبي‬
                                   ‫تظهر فيها هذه الحركة‪ ،‬وعلى‬               ‫العلاء في الطبيعيات‬
 ‫ش ًّكا في أن أبا العلاء ما كان‬    ‫هذا فالموجود وموجده شيء‬
    ‫يرضي بغير العقل‪ ،‬وقد‬             ‫واحد في نفسه وإن اختلف‬         ‫والرياضيات يوناني خالص‪،‬‬
                                   ‫في الاعتبار‪ .‬قالوا وهذه القوة‬        ‫وأنه في الإلهيات يوناني‬
 ‫ذم الأشعري فيمن ذمه من‬             ‫متحركة وعن حركتها تنشأ‬
 ‫المتكلمين في رسالة الغفران‬            ‫هذه الظلال المختلفة التي‬      ‫كثي ًرا‪ ،‬وإسلامي قلي ًل‪ ،‬فهذا‬
 ‫فقال‪ :‬والأشعري إذا كشف‬             ‫نسميها الخليقة‪ ،‬قالوا‪ :‬وإذا‬      ‫الروح الفلسفي يثبت لنا أن‬
                                      ‫كانت هذه الحركة واحدة‬
     ‫ظهر نمى تلعنه الأرض‬            ‫فلا شك أنها تعود بين حين‬            ‫أبا العلاء إن لم يكن أنكر‬
‫الراكدة والسماء‪ .‬وأبو العلاء‬         ‫وحين إلى جوهرها‪ ،‬أي أن‬           ‫البعث إنكا ًرا تا ًّما‪ ،‬فقد شك‬
‫‪-‬كما يصفه طه حسين‪ -‬وإن‬             ‫هذه الظلال المختلفة تعود إلى‬
 ‫يتخذ العقل إمامه في البحث‬         ‫أصلها الأول فلا يكون بينها‬               ‫فيه ش ًّكا شدي ًدا»(‪.)39‬‬
                                    ‫اختلاف‪ ،‬ثم ترجع بعد ذلك‬           ‫ويشرح طه حسين صورة‬
  ‫عن الأشياء‪ ،‬لم يستطع أن‬            ‫إلى اختلافها بمقتضى هذه‬          ‫ثالثة للفلسفة عند المسلمين‬
   ‫ينتحل له العصمة‪ ،‬ولا أن‬             ‫الحركة الدائمة‪ ،‬فما يزال‬      ‫يمثلها القرن الرابع‪ ،‬ويتبرم‬
   ‫يزعم قدرته على الإيصال‬              ‫العالم في افتراق واتصال‬        ‫بها أبو العلاء‪ ،‬وهي فلسفة‬
   ‫إلى اليقين المطلق‪ ،‬بل حفظ‬                                           ‫المتصوفة‪ .‬والوهم في هذه‬
  ‫للشك حقه في الدخول على‬                               ‫أب ًدا(‪.)40‬‬
   ‫ما أثبته العقل‪ ،‬وعلل ذلك‬             ‫و»التصوف ليس مذهبًا‬             ‫الفلسفة كما يراه حسين‬
    ‫بأن العقل ليس في نفسه‬              ‫اسلاميًّا خال ًصا‪ ،‬إنما هو‬       ‫قديم‪ ،‬فأكثر الناس يراها‬
   ‫جوه ًرا مستق ًل عن الحياة‬           ‫مذهب هندي أخذ صبغة‬              ‫غل ًّوا في الدين واجتها ًدا في‬
 ‫المادية استقلا ًل تا ًّما‪ ،‬بل هو‬                                   ‫تقديس الله ويرفعون سندها‬
‫بها متأثر ولها خاضع‪ ،‬ومن‬                  ‫الفلسفة اليونانية عند‬        ‫حتى يصلون به إلى عصر‬
  ‫هنا اختلفت أحكامه فأثبت‬          ‫الرواقيين والإسكندريين‪ ،‬ثم‬         ‫النبي وأصحابه‪ .‬والحق أن‬
    ‫الشيء ونفاه وأوجبه ثم‬                                             ‫تحليل التصوف الاسلامي‬
                                      ‫اخذ الصبغة الإسلامية في‬            ‫غير يسير لكثرة ما فيه‬
       ‫سلبه‪ .‬وفي ذلك يقول‪:‬‬          ‫أيام بني عباس»(‪ .)41‬وقد ذم‬         ‫من تركيب وامتزاج‪ ،‬لكننا‬
       ‫ويعتري النفس إنكار‬                                              ‫نشير إلى العناصر الأولى‬
                                      ‫أبو العلاء أهل الدين فقال‬         ‫التي تتألف منها الفلسفة‬
                   ‫ومعرفة‬                               ‫فيهم‪:‬‬       ‫الصوفية عند المسلمين‪ ،‬فأول‬
          ‫وكل معني له نفي‬                                           ‫هذه العناصر وأقدمها عنصر‬
                                         ‫تستروا بأمور ديانتهم‬          ‫فلسفي يوناني هو وحدة‬
                ‫وإيجاب(‪)42‬‬            ‫وإنما دينهم دين الزناديق‬
    ‫أما لكم بني الدنيا عقول‬                                                            ‫الوجود‪.‬‬
 ‫تصد عن التنافس والتعادي‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179