Page 173 - merit 38 feb 2022
P. 173

‫‪171‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫ولقد وجدت لهذا القول في‬     ‫اللزوميات ينطقان به ويدلان‬            ‫إن كان من فعل الكبائر‬
                   ‫شواهدا‬         ‫عليه‪ ،‬فقد نص في مقدمة‬                            ‫مجب ًرا‬

        ‫ونهاني دونه الورع‬      ‫اللزوميات على أنه لم يؤلف‬        ‫فعقابه ظلم على ما يفعله(‪)35‬‬
    ‫فزاد في هذه الأبيات على‬      ‫هذا الكتاب مختا ًرا‪ ،‬وإنما‬      ‫والله إذا خلق المعادن عالمًا‬
  ‫إثبات الجبر أمرين أحدهما‬
    ‫نفي التكليف‪ ،‬والآخر أن‬      ‫ألفه بقضاء لا يعرف كنهه‪،‬‬       ‫إن الحداد البيض منها تجعل‬
 ‫يرى الجبر ويؤمن به وإنما‬     ‫وقد ذكر الجبر في اللزوميات‬            ‫فانظر كيف جعل عقاب‬
    ‫الورع ينهاه عنه ويقول‪:‬‬
   ‫ما باختياري ميلادي ولا‬        ‫أكثر من مائتي مره‪ ،‬يثبته‬        ‫صاحب الكبيرة ظل ًما حين‬
                              ‫ويناضل عنه ويبسط سلطانه‬             ‫أثبت الجبر‪ ،‬وقد ذهب في‬
                     ‫هرمي‬                                       ‫بيت آخر إلى أن الإنسان لا‬
‫ولا حياتي فهل لي بعد تخيير‬       ‫على الحياة العملية للأفراد‬      ‫يستحق ذ ًّما ولا مد ًحا فهو‬
                                 ‫والجماعات‪ .‬فمن قوله في‬
   ‫ولا إقامة إلا عن يدي قدر‬                                                        ‫مجبر‪:‬‬
       ‫ولا مسير إذ لم يقض‬                          ‫الجبر‪:‬‬          ‫لا تمدحن ولا تذمن أم ًرا‬
                    ‫تسييرا‬       ‫المرء يقدم دنياه على خطر‬         ‫فينا فغير مقصر كمقصر‬
                              ‫بالكره منه وينآها على سخط‬             ‫فكما أجبر الإنسان على‬
 ‫والعقل زين ولكن فوقه قدر‬        ‫يخيط إث ًما إلى إثم فيلبسه‬       ‫أن يحسن ويسيء‪ ،‬أجبر‬
      ‫فما له في ابتغاء الرزق‬   ‫كأن مفرقه بالشيب لم يخط‬           ‫على أن يحمد الحسن ويذم‬
                  ‫تأثيرا(‪)37‬‬   ‫فالإنسان عنده يدخل الدنيا‬
                                ‫كار ًها ويخرج منها كار ًها‪،‬‬           ‫القبيح‪ ،‬ويتصور هذا‬
‫البعث عند أبي العلاء‬          ‫ولو خير ما اختار أن يعيش‪.‬‬           ‫حسن وهذا قبيح‪ .‬ويبرر‬
       ‫المعري‬                                                     ‫طه حسين آراء المعري في‬
                                         ‫يقول أبو العلاء‪:‬‬        ‫الجبر وبأن الإنسان مجبر‬
      ‫الفلاسفة الإلهيون من‬     ‫وإذا كنت بالله المهيمن واث ًقا‬
      ‫اليونان ينكرون حشر‬                                            ‫على أفعاله‪ ،‬فيقول‪ :‬بأن‬
 ‫الأجساد‪ ،‬ولا يؤمنون ببعث‬         ‫فسلم إليه الأمر في اللفظ‬      ‫طائفة الأحوال التي اكتنفت‬
 ‫الأرواح كما نفهمه نحن من‬                         ‫واللحظ‬
‫الدين‪ ،‬ولكنهم يقولون بخلود‬                                          ‫الحياة المادية والمعنوية‬
‫الروح‪ ،‬وإنها تنتقل بعد الموت‬     ‫فانظر إليه كيف جعل الله‬           ‫لأبي العلاء اضطرته إلى‬
    ‫إلى عالمها العقلي‪ ،‬وموقف‬        ‫يدبر مقادير تصيب ما‬         ‫أن يتصور الجبر بالصورة‬
 ‫المعري في البعث موقف غير‬                                          ‫التي قدمناها‪ ،‬وأن يتخذ‬
‫ثابت ‪-‬كما يراه طه حسين‪-‬‬         ‫تصيبه بقدر‪ ،‬وعن حركتها‬          ‫منه اعتراضات على التكليف‬
    ‫فتارة يقف موقف الشك‬            ‫التي أثبت لها المصادفة‬           ‫تجعل لخصومه سبي ًل‬

                    ‫فيقول‪:‬‬      ‫يسعد قوم ويشقي آخرون‬                             ‫عليه(‪.)36‬‬
  ‫يا مرحبا بالموت من منتظر‬                  ‫ويقول أي ًضا‪:‬‬           ‫ألا ترى معي أن في هذا‬
                                                                    ‫نقد للمعتزلة التي قالت‬
   ‫إن كان ثم تعارف وتلاق‬        ‫خرجت إلى ذي الدار كرها‬           ‫أن الحسن والقبح ذاتيان‪،‬‬
        ‫وتارة يجزم بموقف‬        ‫ورحلتي إلى غيرها بالرغم‬            ‫ودعت إلى حرية الإرادة‪،‬‬
                                                               ‫وهذا ما جعل المعري ينتقدها‬
  ‫أفلاطون في الروح فيقول‪:‬‬                     ‫والله شاهد‬        ‫بشدة بل ولا يذكرها كثي ًرا‬
     ‫وإن صدأت أرواحنا في‬            ‫إن روح أبي العلاء في‬
                   ‫أجسامنا‬        ‫الفلسفة الإلهية جبري لا‬             ‫عند ذكره للمتكلمين‪.‬‬
                                    ‫يعرف الاختيار يقول‪:‬‬        ‫وكما أظهرت آراء أبي العلاء‬
    ‫فيوشك يو ًما أن يعاودها‬   ‫قالت معاشر كل عاجز ضرع‬
                              ‫ما للخلائق لا بطء ولا سرع‬           ‫في الفلسفة الإلهية الجبر؛‬
                               ‫مدبرون فلا عتب إذا خطئوا‬        ‫فإن حياته المادية وشعره في‬
                                   ‫على المسيء ولا حمد إذا‬

                                                   ‫برعوا‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178