Page 260 - merit 38 feb 2022
P. 260

‫هي «قراءات شاذة»‪ ،‬وهذا إن‬                                  ‫العـدد ‪38‬‬                           ‫‪258‬‬
  ‫دل على شيء فإنما يدل على أن‬
   ‫هذه القراءات هي فقط اجتهاد‬                                                ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬      ‫تشكل صرا ًعا بين مدرستين‬
‫من القراء‪ ،‬وبنفس المنطق (منطق‬                                                               ‫مختلفتين؛ مدرسة المتخصصين‬
‫الاجتهاد) يمكن قراءة هذا النص‬          ‫بقراءات مختلفة لألفاظ‬                                ‫في علم المخطوطات الذين يرون‬
 ‫تحت قواعد علمية جديدة تخص‬           ‫أخرى تبدلت نتيجة عدم‬
‫مادة الفيلولوجيا‪ ،‬هذه المادة التي‬                                                               ‫أنه كان مصح ًفا متداو ًل في‬
 ‫أعطت قراءة جديدة للقرآن تعيد‬            ‫وجود التنقيط‪ ..‬هذه‬                                   ‫الفترة الأولى لظهور الإسلام‬
  ‫قراءته لزمان ظهوره‪ ،‬فتتضح‬             ‫الاختلافات تحيلنا إلى‬
 ‫بهذه القراءة الجديدة الكثير من‬        ‫تاريخ إسلامي مختلف‬                                        ‫إلى أن حكم عليه بالطمس‪،‬‬
                                    ‫عن السردية السائدة‪ ..‬هل‬                                ‫والمدرسة الثانية؛ وكل أصحابها‬
    ‫المقاطع الغامضة التي اختلف‬      ‫هناك تصور كامل لتاريخ‬
‫المفسرون في تفسيرها على العديد‬         ‫بديل ولسردية بديلة؟‬                                     ‫من المؤمنين بوحدانية النص‬
                                      ‫هل يعمل الباحثون على‬                                    ‫القرآني خو ًفا من نعت القرآن‬
   ‫من الأقول‪ ،‬رغم إيمانهم بأنه‬                                                             ‫بالتحريف وعلى رأسهم الأستاذة‬
 ‫قرآن عربي مبين‪ ،‬أي واضح لا‬               ‫اكتشاف ونشر هذه‬                                   ‫التونسية أسماء هلالي! وبالتالي‬
                                    ‫السردية البديلة؟ وإلى أين‬                             ‫هذا الطرس بحسب رأيهم لم يكن‬
                   ‫غموض فيه!‬                                                                  ‫سوى وسيلة لتدريب الطلاب‬
     ‫طب ًعا الدراسات الفيلولوجية‬                     ‫وصلوا؟‬                                ‫على كتابة القرآن‪ ،‬متناسين ‪-‬أي‬
     ‫للقرآن ما زالت في بداياتها‪،‬‬                                                          ‫أصحاب هذه المدرسة‪ ،‬أو ناسين‪-‬‬
    ‫وتحتاج لتضافر الجهود بين‬         ‫‪ -‬النص القرآني الذي بين أيدينا‬                          ‫أن التدريبات على كتابة القرآن‬
 ‫الباحثين والمتخصصين في هذه‬         ‫الآن في أصله ومخطوطاته القديمة‬                           ‫لم تكن على الرقاع لغلاء ثمنها‬
 ‫المادة للوقوف نسبيًّا على القراءة‬                                                           ‫وندرة وجودها‪ ،‬في ظل وجود‬
  ‫الصحيحة لهذا النص‪ ،‬وبالتالي‬            ‫لم يكن فيه تنقيط أو علامات‬                         ‫ألواح الخشب الرخيصة التي ما‬
    ‫تحديد التشريع والأحكام في‬           ‫الإعراب أو الهمزة أو ألف الم َّد‬                  ‫زال استعمالها قائ ًما لهذا الغرض‬
  ‫ظل المفهوم اللغوي الذي يريده‬                                                             ‫إلى يومنا هذا في المدارس العتيقة!‬
 ‫النص القرآني‪ ،‬وليس ما توصل‬               ‫نظ ًرا لبدائية خطه‪ ،‬مما نتج‬
  ‫إليه علماء الإسلام من أمور قد‬        ‫عن ذلك وجود قراءات مختلفة‬                                ‫وكذلك يتناسون أو ينسون‬
   ‫تكون مختلفة تما ًما عما كانت‬                                                             ‫قولهم بأن القرآن كان محفو ًظا‬
   ‫عليه الأمور في عصر ظهوره‪،‬‬             ‫عديدة اع ُت ِرف بسبع قراءات‪،‬‬                       ‫في الصدور‪ ،‬في حين كان هؤلاء‬
  ‫فلو أخذنا ‪-‬على سبيل المثال لا‬       ‫منذ بداية الأمر‪ ،‬وتنتمي لخمس‬                        ‫الطلاب تحت إشراف شيخ ومعلم‬
   ‫الحصر‪ -‬سورة المسد بحسب‬            ‫مدارس في دمشق ومكة والمدينة‬                             ‫يعلمهم القراءة وكتابة القرآن‪،‬‬
 ‫علم الفيلولوجيا‪ ،‬سنجد السورة‬          ‫والكوفة والبصرة‪ ،‬ثم أضيفت‬                          ‫ولهذا السبب أميل للمنهج العلمي‬
 ‫بأكملها تتحدث عن البخل وتذم‬        ‫ثلاث قراءات أخرى لتصبح عشر‬                             ‫الصارم كما رأينا في الجواب على‬
‫صاحبه‪ ،‬وتنبهه لما قد يؤول إليه‬      ‫قراءات رسمية للقرآن‪ ،‬ثم أضاف‬                          ‫السؤال الأول‪ ،‬فيجب على الباحث‬
  ‫أمره من مؤامرات في الدنيا من‬       ‫الإمام البنا الدمياطي المتوفى سنة‬
   ‫أقرب الناس إليه قبل الآخرة‪،‬‬       ‫‪١١١٧‬هـ أربع قراءات أخرى‪ ،‬ولم‬                             ‫وضع الإيمان والأيديولوجية‬
 ‫لكن تفسير علماء الإسلام لهذه‬       ‫يتوقف العدد في القراءات المختلفة‬                      ‫جانبًا لدراسة مثل هذه النصوص‬
  ‫السورة ذهب بعي ًدا ليجعل أحد‬      ‫إلى هذا الحد‪ ،‬فقد ظهرت خمسون‬
‫أعمام الرسول وزوجته في زاوية‬        ‫قراءة مختلفة بحسب ابن مجاهد‪،‬‬                              ‫الدينية بطريقة علمية لا مكان‬
‫السب من الله لهما‪ ،‬تكرره ألسنة‬      ‫وألف وأربعمائة وتسعة وخمسين‬                                              ‫للعاطفة فيها‪.‬‬
 ‫المسلمين عند كل صلاة إلى يوم‬
                                        ‫رواية وطريقة بحسب الهذلي‪،‬‬                         ‫* التفسيرات التي تقدمها‬
                                        ‫مما اضطر علماء الإسلام إلى‬                             ‫لمعاني بعض الألفاظ‬
                                       ‫وضع فتوى بعدم الاجتهاد في‬                               ‫الواردة في القرآن من‬
                                     ‫ضم المزيد من القراءات للقراءات‬                             ‫ناحية‪ ،‬والاقتراحات‬
                                      ‫الرسمية‪ ،‬واعتبروا كل القراءات‬
                                       ‫ما بعد القراءات الأربع عشرة‪،‬‬
   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265