Page 284 - merit 38 feb 2022
P. 284

‫العـدد ‪38‬‬                                                  ‫‪282‬‬

                                                                                                            ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬  ‫هشام تمام‬
                                                                                                                         ‫الكردوسي*‬
    ‫هل يجب أن تكون‬
‫الحياة تأمًل في الحياة‪..‬‬

    ‫أم تأمًل في الموت؟‬

 ‫يموت؛ حتى الأمراء»‪ .‬فطلب منه‬        ‫غوتاما بوذا والذي كان ُيدعى‬       ‫عندما سبق وجودنا ماهيتنا؛‬
 ‫على الفور أن يرجعه إلى قصره‪.‬‬      ‫في الثلاثة عقود الأولى من حياته‬
 ‫وبالعودة بدأ يفكر في كل ما رآه‬    ‫بالأمير سيدهارثا ‪،Siddhartha‬‬        ‫سبق ماهيتنا اختياراتنا لتشكيل‬
 ‫للتو متسائ ًل‪ :‬ما فائدة أن أكون‬                                       ‫وجودنا وفرض ماهيتنا‪ .‬نسعى‬
  ‫مل ًكا على الجميع مع العيش في‬        ‫ذلك الأمير الذي عاش حياة‬         ‫لإكمال صورنا عبر الحياة التي‬
 ‫ظل الخوف الرهيب الذي يعيشه‬       ‫شاعرية خلف جدران قصر والده‬
 ‫الجميع من الموت؟ وقرر الأمير‪،‬‬                                            ‫نعيشها‪ ،‬نتفكر فيها ونتأملها‬
 ‫من أجل الجميع وليس من أجل‬          ‫الشاسع‪ .‬كان الأمير سيدهارثا‬         ‫في تفاصيلها الوجودية‪ .‬نتفاعل‬
  ‫نفسه فقط‪ ،‬أنه سيكرس حياته‬         ‫محبو ًبا من الجميع‪ ،‬وتزوج من‬
                                  ‫أميرة جميلة‪ ،‬وأنجبا ول ًدا‪ ،‬وكانت‬        ‫مع من سبق وجوده ماهيته‬
    ‫لاكتشاف كيف يمكن لجميع‬         ‫أسرته سعيدة‪ .‬لكن طوال العقود‬         ‫ومن سبق ماهيته وجوده‪ ،‬لكن‬
   ‫البشر تجاوز الولادة والموت‪.‬‬    ‫الثلاثة الأولى من حياته لم يخرج‬     ‫سرعان ما نصطدم بحقيقة واقعة‬
    ‫هذه القصة للأمير سيدهارثا‬                                           ‫لا محالة تربك ذلك التأمل الذي‬
 ‫وللسؤال الذي سأله‪ ،‬ليس فيها‬          ‫الأمير مرة واحدة من بوابات‬        ‫كنا نعيشه من جانب واحد‪ ،‬ألا‬
 ‫فقط من التعاليم والدهشة حول‬         ‫القصر إلى المدينة‪ ،‬وفي يو ٍم ما‬     ‫وهو التأمل في الحياة‪ ،‬فيتضح‬
  ‫وجود الموت‪ ،‬بل سؤال فيه من‬                                            ‫لنا الجانب المظلم الآخر الموازي‬
‫الشجاعة حينها والآن أي ًضا كلما‬         ‫طلب من سائقه المخلص أن‬        ‫لهذا التأمل‪ ،‬وهو التأمل في الموت‪.‬‬
 ‫نتساءله؛ لأنه برغم التطور التي‬    ‫يقوده عبر مدينة والده العظيمة‪،‬‬
   ‫وصلت إليه البشرية والأنظمة‬       ‫وللمرة الأولى على الإطلاق رأى‬         ‫ولطالما يصبح التساؤل دائ ًما‬
   ‫الحضارية التي نعيشها والتي‬                                            ‫بديهية ُتنتج إما من الدهشة أو‬
‫تجعلنا نتفكر أكثر في حياتنا‪ ،‬فإن‬        ‫الأمير جثة‪ ،‬كان هذا المنظر‬      ‫ظهور تضاد بين مسألتين‪ ،‬فقد‬
 ‫وجود حتمية الموت في حياة كل‬         ‫صدمة مروعة له‪ .‬وتساءل في‬           ‫يتساءل المرء هل يجب أن تكون‬
                                    ‫نفسه «هل سيحدث لي ما حدث‬          ‫الحياة تأم ًل في الحياة أم تأم ًل في‬
                                   ‫لذلك الرجل؟» فسأل سائقه‪ :‬هل‬
                                  ‫سأموت أي ًضا؟ وأجابه سائقه على‬                               ‫الموت؟‬
                                   ‫الفور‪« :‬نعم جلالة الملك‪ ،‬الجميع‬          ‫تحكي القصة الشهيرة عن‬
   279   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289