Page 288 - merit 38 feb 2022
P. 288

‫في النهاية‪ ..‬الحياة واقع نعيشه‪،‬‬                                ‫العـدد ‪38‬‬                            ‫‪286‬‬
    ‫وتفكيرنا فيها أو في الموت هو‬
   ‫ما يوحي لنا بأننا على قمة هذا‬                                                ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬  ‫وهذه النظرة الاسبينوزية لم تكن‬
      ‫الواقع‪ ،‬وأن الإرادة وحدها‬                                                                 ‫من قبل بعيدة أي ًضا عن بعض‬
   ‫هي التي تنزع ذلك المنزع لتلك‬           ‫طريق العدم‪ ،‬وأن الحياة نفسها‬                         ‫الأديان عند بعض الفرق الدينية‬
   ‫التأملات؛ تلك الإرادة التي من‬           ‫موت مستمر‪ ،‬لأننا لا نكف في‬
                                          ‫كل لحظة عن بناء موتنا‪ ،‬ولكننا‬                       ‫أو الزهاد‪ ،‬حيث كانت أهم مطلب‬
 ‫خلالها نستطيع أن نتأمل الحياة‬           ‫‪-‬مع ذلك‪ -‬لا نملك سوى المضي‬                           ‫لديهم من مطالب العبادة؛ العبادة‬
‫والموت م ًعا كوجهين لعملة واحدة‪،‬‬
‫إذا قلبتها لن تجد إلا الوجه الآخر‪،‬‬           ‫في مشاغلنا وحياتنا العادية‪،‬‬                        ‫من أجل المحبة وليس طم ًعا في‬
                                            ‫وكأن ليس ثمة موت ينتظرنا‬                         ‫ثواب أو خو ًفا من عقاب إلهي‪ ،‬مع‬
     ‫إرادة يقبلها الوجهان‪ ،‬الحياة‬         ‫في خاتمة المطاف! ونحن نختبر‬                         ‫الحفاظ على طبيعة النفس الخالدة‬
 ‫والموت‪ ،‬إرادة الخير في حد ذاته‪،‬‬          ‫‪-‬في تجربتنا الزمنية‪ -‬لا وجود‬
  ‫كما يطلق عليه كانط‪ ،‬أي الإرادة‬           ‫ما لم يعد له وجود‪ ،‬ولا وجود‬                         ‫بعد الموت‪ .‬وبالتالي كانت لديهم‬
                                          ‫ما لم يوجد بعد‪ .‬لا نكاد نصدق‬                       ‫نفس النظرة في أن الحياة تأم ًل في‬
      ‫التي يتم تحفيزها لأداء (أو‬           ‫أن يكون نسيج حياتنا هو هذا‬                         ‫الحياة قبل الموت‪ .‬لكن الآن سواء‬
  ‫الامتناع عن) فعل لسبب وحيد‪،‬‬               ‫اللاوجود المثلث! وآية ذلك أن‬
                                           ‫حياتنا ‪-‬في نظرنا‪ -‬ملء كثيف‬                          ‫كانت الطريقة الصحيحة للعيش‬
    ‫هو أن الواجب الأخلاقي يأمر‬            ‫متسق متماسك‪ ،‬وكأنما هي كل‬                             ‫إن كانت تأم ًل في الحياة أو إن‬
  ‫بذلك‪ ،‬وأن يجعل الإنسان حياته‬          ‫لا موضع فيه للعدم أو اللاشيء‪..‬‬                         ‫كانت تأم ًل في الموت‪ ،‬هل تنطبق‬
   ‫تأم ًل في الحياة أو في الموت‪ ،‬في‬     ‫ومعنى هذا أن مخاطرة الحياة قد‬                          ‫كل طريقة على كل شخص؟ أي‪:‬‬
                                        ‫تجيء فتطيح بالخوف من الموت‪،‬‬                          ‫هل الطريقة الصحيحة لهذا التأمل‬
   ‫النهاية لهما غاية واحدة تجلت‬              ‫على شرط أن يعرف الموجود‬                           ‫هي الطريقة الصحيحة للمعيشة‬
  ‫عند سقراط في أن يحيا الإنسان‬             ‫البشري كيف يركز الوجود في‬
                                        ‫الحاضر‪ ،‬وكيف ينظر إلى الزمانية‬                                         ‫لدى الجميع؟!‬
     ‫في كلا الحالتين خيِّ ًرا‪ ،‬عاد ًل‪،‬‬       ‫على أنها طريقتنا الخاصة في‬                             ‫الحق أننا نعلم علم اليقين‬
                       ‫وفاضلً‬                                                                     ‫أن الموت معانق للحياة‪ ،‬وأن‬
                                                              ‫الحياة(‪.)9‬‬                       ‫النبضات الأولى لقلب الوليد هي‬
                                                                                             ‫في الوقت ذاته خطواته الأولى على‬

                                                                           ‫هامش‪:‬‬

                                                 ‫* كاتب وباحث أكاديمي في الفلسفة والعلوم الإنسانية‪.‬‬

                                                                     ‫مراجع المقال‪:‬‬

‫‪1- Nadler, Steven: Think Least of Death, Princeton University Press, United States of‬‬
‫‪America, 2020, p.174.‬‬

   ‫‪ -2‬أفلاطون‪ :‬محاكمة سقراط (محاورات أوطيفرون‪ ،‬الدفاع‪ ،‬أقريطون)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬عزت قرني‪ ،‬دار‬
                                           ‫قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2001 ،‬ص‪.119‬‬

          ‫‪ -3‬أفلاطون‪ :‬محاكمة سقراط (محاورات أوطيفرون‪ ،‬الدفاع‪ ،‬أقريطون)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.135‬‬
                                       ‫‪.Nadler, Steven: Think Least of Death, op. cit. p175 -4‬‬
                                                                       ‫‪.176.op. cit. loc. Cit. p -5‬‬
                                          ‫‪ -6‬زكريا إبراهيم‪ :‬مشكلة الحياة‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬ص‪.133‬‬

                                ‫‪.177-176.Nadler, Steven: Think Least of Death, op. cit. pp -7‬‬
                                                                ‫‪.180-179.op. cit. loc. Cit. pp -8‬‬

                                         ‫‪ -9‬زكريا إبراهيم‪ :‬مشكلة الحياة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.173-172‬‬
   283   284   285   286   287   288   289   290   291   292   293