Page 56 - merit 38 feb 2022
P. 56

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪54‬‬

                                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

  ‫غاية الصحة وهي محبة لزوجها الأثيوبي عاشقة‬         ‫سوداني‪ ،‬وهناك تخوف لدى والدها من أخذها إلى‬
‫له‪ ،‬تركت زوجها المصري حين علمت بأنه على قيد‬         ‫السودان فتكون ابنته غريبة عنه‪ ،‬كما أن إيجابيتها‬
‫الحياة ولم يمت في الحرب‪ .‬وتركت ابنتها مع أبيها‬
                                                        ‫تبدو في تصميمها على السفر إلى أثيوبيا ‪-‬رغم‬
                                       ‫ورحلت‪.‬‬      ‫القلاقل فيها‪ -‬حتى ترى أمها التي تركتها وهي ابنة‬
 ‫وهي نموذج لحالة الصعود والهبوط التي يعيشها‬
                                                                 ‫ثلاث سنوات فقط ولا تكاد تذكرها‪.‬‬
   ‫الإنسان عبر حياته‪ ،‬فمرة نراها في القاع تعاني‬         ‫وتبدو إيجابيتها في نجاحها في تعليم الأطفال‪.‬‬
     ‫المطاردة وشظف العيش‪ ،‬ومرة نراها في القمة‬       ‫أما شخصية والدها فهو نموذج للإنسان المصري‬
   ‫زوجة لوزير وأم لضابط كبير في الجيش‪ ،‬ومرة‬         ‫المتعلم في هذه الفترة‪ ،‬والذي يمتلك شخصية قوية‬
                                                     ‫إلى حد كبير‪ ،‬فإذا دخل بيته سكت ضجيج الأبناء‬
       ‫أخرى يتم القبض على زوجها وابنها‪ .‬وهي‬           ‫فو ًرا‪ ،‬وله هيبة يحرص عليها في نفوس أبنائه‪.‬‬
 ‫شخصية لديها القدرة على اتخاذ القرار‪ ،‬حتى وإن‬          ‫وهو يمتلك رزانة في السلوك والأخلاق‪ ،‬ويبدو‬
‫كان قرارها سيعود بالسلب على ابنتها ذات الثلاثة‬       ‫محاف ًظا على بيته حري ًصا على توفير سبل العيش‬
                                                     ‫الكريمة لهم‪ ،‬متاب ًعا للأحداث السياسية والثقافية‪،‬‬
                                         ‫أعوام‪.‬‬     ‫ومع ذلك لا ينسى نفسه‪ ،‬فعندما رأى نفسه بعي ًدا‬
‫أما عن طبيعة المكان ودوره البنائي في هذه الرواية‬    ‫عن زوجته وأولاده‪ ،‬وهو يعمل معل ًما في السودان‪،‬‬
                                                      ‫تزوج دون علمهم من أثيوبية‪ ،‬وأنجب منها ابنته‬
  ‫فإننا نرى الدور الفاعل للمكان بصورة واضحة‪،‬‬       ‫فاطمة بطلة هذه الرواية‪ ،‬ولم يلجأ لسبل الحرام في‬
   ‫ولا يخفى دوره البطولي في الرواية وأثره الكبير‬
‫على الشخصيات وحركة الحدث‪ .‬ونستطيع أن نرى‬                                                   ‫العلاقة‪.‬‬
   ‫التحقق المكاني عبر كتلة مكانية كبيرة ومتعددة‪،‬‬   ‫وتبدو صحته على مدار الرواية حسنة ما عدا الفترة‬
   ‫ولكنها في معظمها مرتبطة بنهر النيل‪ ،‬سواء في‬
‫مصر أم في السودان أم في إثيوبيا‪ .‬وهنا يبدو أثره‬        ‫الأخيرة من حياته‪ ،‬حيث مات بسبب حساسيته‬
  ‫الكبير في بث دلالة الوحدة والتنوع بين الشعوب‬       ‫المفرطة حينما غادرت ابنته مع زوجها دون علمه‪،‬‬

        ‫الثلاثة التي عاشت حوله وتقاسمت خيره‪.‬‬          ‫فشعر شعو ًرا رهيبًا بأن سلطته كأب على أبنائه‬
  ‫يأخذ المكان في السودان محو ًرا كبي ًرا من الحكي‬      ‫قد انهارت‪ ،‬فمات حزينًا كظي ًما‪ .‬وقد أخذت هذه‬
 ‫وفي مصر أي ًضا ويقل عنهما المكان في أثيوبيا‪ .‬لقد‬      ‫الشخصية الكثير من الكتل السردية‪ ،‬ولكنها لم‬
  ‫بدا المكان في السودان هو المحور الجامع في كثير‬      ‫تستمر حتى نهاية الرواية‪ ،‬فقد مات قبل نهايتها‬
  ‫من الأحيان‪ ،‬فقد اشتبكت على أرضه‪ ،‬شخصيات‬
  ‫من الدول الثلاث‪ .‬والمكان في الرواية دائما ينتمي‬             ‫بكثير‪ .‬وهي شخصية مصرية خالصة‪.‬‬
   ‫لعنصر اليابس‪ ،‬وغالبا ما يرتبط بالمدن‪ ،‬فمدينة‬     ‫وهناك شخصية ميهاري أم فاطمة الأثيوبية‪ ،‬وهي‬
‫الخرطوم كان لها تجليات سردية‬
   ‫واضحة‪ ،‬وهي مدينة سودانية‬                                                ‫شخصية أثيوبية خالصة‬
‫كبيرة تقع على نهر النيل بفرعيه‪:‬‬                                           ‫ولكنها ذهبت إلى السودان‬
                                                                           ‫بسبب القلاقل في أثيوبيا‬
    ‫النيل الأبيض والنيل الأزرق‪.‬‬                                           ‫واشتعال الحروب الطاحنة‬
 ‫وتظهر في هذه الرواية باعتبارها‬
‫مكا ًنا جام ًعا لشخصيات مختلفة‪،‬‬                                             ‫فيها‪ ،‬وهي لم تأخذ كت ًل‬
  ‫وليس بالضرورة أن تكون هذه‬                                                ‫كثيرة من السرد‪ ،‬ولكنها‬
‫الشخصيات تنتمي للسودان فقط‪،‬‬                                            ‫كانت موجودة بصورة ما من‬
 ‫وإنما تجمع شخصيات محورية‬                                               ‫خلال شخصية ابنتها‪ ،‬حيث‬
  ‫من مصر وأثيوبيا أي ًضا‪ ،‬بل إن‬                                           ‫كانت دائ ًما ما تطل بجملة‬
  ‫الشخصية المحورية فيها‪ ،‬وهي‬                                             ‫هنا أو جملة هناك‪ ،‬لتذكرنا‬
‫شخصية فاطمة‪ ،‬ليست سودانية‪،‬‬                                             ‫دائ ًما بأن فاطمة أمها أثيوبية‪.‬‬
                                                                        ‫وتبدو ملامحها الجسدية في‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61