Page 55 - merit 38 feb 2022
P. 55

‫‪53‬‬                ‫إبداع ومبدعون‬

                  ‫رؤى نقدية‬

‫كارل جوستاف يونج‬                 ‫الطيب صالح‬          ‫لها رقم بجانبه عنوان لها‪ ،‬ومن خلال هذه الكتل‬
                                                      ‫يتشكل عالمها‪ ،‬فنجد أن بنيتها الكبرى تتحدد من‬
    ‫من زوج أختها في مصر يدعوها لحضور فرح‬               ‫خلال سارد بالضمير الأول (أنا) يستحضر في‬
‫ابنته‪ ،‬فتسافر مصطحبة أولادها وتلتقي بعائلتها في‬        ‫بنيته النصية مسرودة لها‪ ،‬وتظهر علاقة متينة‬
 ‫مصر بعد فراق طال كثي ًرا‪ ،‬وذلك عبر القطار الذي‬      ‫بينهما هي علاقة الابن بأمه‪ ،‬حيث نجد هذا الابن‬
                                                     ‫يحكي بالأساس قصة أمه‪ ،‬وإشكالية وجودها في‬
        ‫يتجه من السودان جنو ًبا إلى مصر شما ًل‪.‬‬
   ‫ويتعرف ابنها من خلال الفيس بوك على جروب‬                                              ‫هذا العالم‪.‬‬
                                                         ‫ونتبين أن هذه الأم اسمها فاطمة ولدت لأب‬
       ‫الباشكاتب الذي يضم عائلته‪ ،‬ويفاجأ بمدى‬             ‫مصري كان من أسرة ميسورة ولكنه يعمل‬
‫الأواصر العائلية التي تجمع عائلة واحدة تعيش في‬       ‫بالتعليم‪ ،‬ويترك بلده وأسرته ليرحل إلى الجنوب‬
                                                    ‫في السودان ويلتقي بأثيوبية لها طفل صغير كانت‬
                       ‫مصر والسودان وأثيوبيا‪.‬‬           ‫تعمل بالتمريض ويتزوجها رغم عدم معرفته‬
    ‫تتجسد الشخصية المحورية في هذه الرواية من‬           ‫بلغتها‪ ،‬وينجب منها فاطمة‪ ،‬ولكنها تترك ابنتها‬
‫خلال شخصية فاطمة التي تنتمي لأب مصري وأم‬           ‫منه وترحل بعد معرفتها بأن زوجها الأول لم يمت‬
‫أثيوبية وتتزوج من شخصيتين سودانيتين وتنجب‬            ‫في الحرب كما كانت تظن‪ ،‬وإنما عاد إلى وطنه في‬
                                                   ‫أثيوبيا بعد انهزام الإيطاليين في الحرب‪ ،‬وأنه يبحث‬
                                   ‫منهما أطفا ًل‪.‬‬  ‫عنها‪ ،‬فرجعت على الفور له ولم تخبره بزواجها من‬
 ‫أخذت هذه الشخصية الكثير من الكتل السردية في‬          ‫غيره وإنجابها بنتًا‪ ،‬وتعيش معه في بحبوحة من‬

   ‫الرواية‪ .‬وسار السرد معها منذ ما قبل طفولتها‬                                             ‫العيش‪.‬‬
  ‫وحتى تقدمها في العمر‪ ،‬وتبدو ملامحها الجسدية‬             ‫يعود الأب بابنته الطفلة ذات الثلاث سنوات‬
‫عبر السرد وهي آية صارخة من آيات الجمال رغم‬            ‫التي تحمل سمرة وجه أمها‪ ،‬فتربيها زوجته مع‬
                                                      ‫أولادها منه وتتفوق في الدراسة وتصبح آية من‬
   ‫سمرتها الداكنة‪ ،‬ويبدو جسدها ناب ًضا بالمفاتن‪،‬‬     ‫آيات الجمال‪ ،‬وتتزوج من سوداني يعمل مهند ًسا‬
‫كما تتميز هذه الشخصية بالذكاء والفصاحة‪ ،‬وهي‬        ‫زراعيًّا في مصر‪ ،‬ويشترط عليه أبوها عدم مغادرته‬
                                                   ‫مصر‪ ،‬وتنجب منه ابنًا ينهض بعبء السرد في هذه‬
   ‫شخصية إيجابية لديها القدرة على اتخاذ القرار‪،‬‬
 ‫فقد استطاعت إقناع والدها بالموافقة على ارتباطها‬                                           ‫الرواية‪.‬‬
                                                     ‫ولكن ثورة ‪ 23‬يوليو عام ‪ 1952‬تفصل السودان‬
     ‫بالمهندس الزراعي حمد الله على الرغم من أنه‬
                                                       ‫عن مصر مما يضطر الزوج لترك عمله ويعود‬
                                                    ‫مصطحبًا زوجته المحبة إلى السودان‪ ،‬وهناك تفتر‬
                                                      ‫عواطفه ناحيتها ويتم الطلاق‪ ،‬فتتزوج من زميل‬

                                                       ‫لها في التدريس الذي تقوم به‪ ،‬وتكتشف أن لها‬
                                                       ‫أ ًّما أثيوبية وصل زوجها إلى درجة وزير‪ ،‬ولها‬
                                                   ‫أخوة من الأم لهم مناصب رفيعة في بلادهم‪ ،‬ولكن‬

                                                         ‫الثورة في أثيوبيا تطيح بالإمبراطور وأعوانه‪،‬‬
                                                     ‫فتسافر مع زوجها إليها وتتعرف على أمها‪ ،‬ولكن‬
                                                    ‫أمها تطلب منها كتمان الأمر لأنها لم تخبر أسرتها‬
                                                    ‫بأن لها بنتًا من أب مصري اسمها فاطمة‪ ،‬وتفاجأ‬

                                                      ‫فاطمة بأن لها أختًا أثيوبية اسمها فاطمة أي ًضا‪.‬‬
                                                   ‫وبعد غربتها في السودان ثلاثين عا ًما تصلها دعوة‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60