Page 58 - merit 38 feb 2022
P. 58

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪56‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

  ‫حيث نجد ارتدادات واضحة على نحو ما نجده في‬         ‫لمصر في القطار المسافر من السودان لمصر لتحضر‬
 ‫العودة بالذاكرة إلى الوراء من الشخصية المحورية‬      ‫فرح ابنة أختها‪ ،‬ثم سفر ابنها في النهاية في القطار‬
‫فاطمة‪ ،‬لتتذكر بعض الأحداث مع زوجها الأول‪ ،‬كما‬
  ‫أن الاستباقات الزمنية لها حضورها الواضح على‬                                  ‫وعودته إلى السودان‪.‬‬
 ‫نحو ما نجده في شخصية والد فاطمة حينما تركته‬              ‫ومن هنا فإن الزمن الخارجي قد استمر عبر‬
‫زوجته الأثيوبية ميهاري وتركت له ابنتها منه‪ ،‬فبدأ‬     ‫سنوات طويلة ج ًّدا فقد بدأ مع الجد مرو ًرا بالابنة‬
                                                     ‫فاطمة التي أخذت أكبر نصيب من الكتل السردية‪،‬‬
   ‫يفكر في كيفية إخبار زوجته المصرية وأسرته في‬        ‫منتهيًا بالحفيد الذي بلغ سنًّا كبي ًرا‪ ،‬ومن هنا فإن‬
          ‫مصر عن هذه الطفلة الصغيرة السمراء‪.‬‬         ‫هذه الرواية تتفاعل زمنيًّا مع ثلاثة أجيال متصلة‪.‬‬
                                                       ‫ولذا نرى إشارات سردية تدل على أننا في عصر‬
     ‫ومن هنا فإن طول الفترة الزمنية التي يغطيها‬       ‫الملكية‪ ،‬حيث مصر والسودان وحدة واحدة يعمل‬
    ‫السارد بسرده واتساع الرقعة المكانية قد يكون‬          ‫المصريون في السودان ويعمل السودانيون في‬
  ‫مرش ًحا أكثر لتضخم الرواية‪ ،‬ولكننا نجد اكتنا ًزا‬    ‫مصر بغير تفرقة‪ ،‬وقطار واحد يشق طريقه عبر‬
 ‫واض ًحا في كتلتها السردية‪ ،‬حيث يستغرق كل ذلك‬           ‫الدولتين‪ ،‬ونجد إشارات سردية تدل على عصر‬
‫‪ 127‬صفحة فقط مع بنط كتابي كبير ج ًّدا وفراغات‬          ‫ثورة يوليو وانفصال مصر عن السودان بسبب‬
  ‫كثيرة‪ ،‬مما يشير بوضوح إلى قفزات زمنية كبيرة‬           ‫صراع جمال عبد الناصر على الحكم مع محمد‬
                                                     ‫نجيب‪ .‬حيث كانت أم محمد نجيب سودانية وأبوه‬
                   ‫ينهض الحذف بالإشارة إليها‪.‬‬          ‫مصري‪ ،‬فأراد جمال عبد الناصر حسب الرواية‬
    ‫وهنا على القارئ أن يحفز قواه القرائية لينهض‬        ‫التخلص من السودان الذي يقف هواه مع محمد‬
     ‫بملء هذه الفجوات الزمنية الواضحة‪ ،‬ولكن لا‬
  ‫يوجد قارئ واحد في الرواية‪ ،‬وإنما عدد كبير ج ًّدا‬                     ‫نجيب لينفرد هو بحكم مصر‪.‬‬
‫من القراء المختلفين‪ ،‬ومن هنا فإن لكل قارئ بالتالي‬        ‫كما نجد إشارات سردية إلى ما بعد فترة حكم‬
 ‫طريقته في ملء هذه الفجوات‪ ،‬وبالتالي تصبح هذه‬
                                                                                  ‫جمال عبد الناصر‪.‬‬
                 ‫الرواية روايات بقدر عدد قرائها‪.‬‬       ‫وإذا كان السرد التتابعي الدياكروني هو المهيمن‬
‫وقد أسهمت هذه البنية الزمنية مع البنية المكانية في‬    ‫فإن السرد التزامني السينكروني لا نعدمه أي ًضا‪،‬‬
                                                     ‫حيث يقطع السارد التسلسل الزمني للسرد ليلقي‬
    ‫الرواية في حالة من التشويق لا يخطئها المتلقي‬      ‫الضوء على ميهاري الأثيوبية وحياتها مع زوجها‬
                                                       ‫الأثيوبي وأولادها منه بعي ًدا عن المركز السردي‬
                                      ‫‪------‬‬        ‫للشخصية المحورية (فاطمة) وعالمها الحكائي‪ ،‬وهذا‬
 ‫* أستاذ الأدب والنقد‪ ،‬كلية الإعلام جامعة أكتوبر‬    ‫التزامن بطبيعة الحال له صلة وثيقة بمركز الحكاية‬

                         ‫للعلوم الحديثة والآداب‪.‬‬                                          ‫السردي‪.‬‬
                                                        ‫كما أن الزمن الداخلي لا نعدمه في هذه الرواية‪،‬‬
   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63