Page 20 - merit 52
P. 20
العـدد 52 18
أبريل ٢٠٢3
(الآخر) نفسه ،ذلك المفهوم الأساسي للأدب المقارن أستاذة جامعية حاولت أن يكون واقعها امتدا ًدا
-بحسب رؤيتها -ثم مفهوم (الصراع) الذي صاغ لأفكارها حول العالم ،ونقلت إلى طلابها على اختلاف
جز ًءا كبي ًرا من هذه العلاقة ،بكل ما تعكسه من توجهاتهم وتخصصاتهم ما كانت تنادي به من
صراع استعماري وسياسي ،إلى جانب الصراع مساحة للعبور إلى الآخر وفهمه وتقبله والتعايش
الثقافي ،وإلى جانب مصطلح الصراع هذا تعتمد على
مصطلح ظل حاض ًرا على الدوام في أذهان بعض معه ،واتخذت من الدرس المقارن مؤنة لتحقيق
الرحالة الذين اتجهوا إلى عالم الآخر ،وهو مصطلح غايتها في العبور ،وهو الدرس الذي طالما اهتم
(إيديولوجيا الوفاق) ،وتقصد به تلك الرغبة المعلنة بدراسة العلاقة بين الأنا والآخر ،بكل ما تعكسه
منذ البداية للتواصل مع الآخر ،وفهمه ،من أجل هذه العلاقة من أشكال التقاء أو اختلاف أو صراع.
ومن خلال الدرس المقارن استطاعت أمينة رشيد
تعايش أفضل بين البشر(.)10 أن تكتب عد ًدا من الدراسات حول الأدبين العربي
وهي تؤكد أن النصوص في حد ذاتها تمثل موق ًعا والفرنسي ،اهتمت من خلالها برصد حدود العلاقة
للصراع ،فكل من نرفال وفلوبير وغيرهما الكثير بين الأنا والآخر ،كما انعكست من خلال نصوص
إبداعية مختلفة عبرت عن أنماط لهذه العلاقة ما بين
مرضى يسافرون إلى الشرق بحثًا عن الحلم الالتقاء أو الاختلاف ،يظل الصراع فيهما حاض ًرا
الضائع ،في حالة من اليأس الاجتماعي والتمرد بشكل جلي ،وركزت اهتمامها على فن الرواية بشكل
على بعض القيم البورجوازية التي نشأوا جمي ًعا أكبر ،فهي «جنس أدبي يثير حفيظة أولئك الذين
في ظلها ،وتوصلت أمينة رشيد في دراستها لهذه يسعون إلى رسم حدود وإصدار تعريفات»( ،)8وقد
النصوص إلى أن الرؤية الفوقية والاستشراقية عبرت هذه النصوص أي ًضا عن شكل من أشكال
حول الشرق ظلت موجودة وإن صاغها بعضهم
-مثل دي نرفال -برقة وأناقة ،وما بين التعبير الالتزام بمفهوم سارتر ،التزام تجاه المجتمع
بفجاجة والتعبير برقة ظلت الرؤية الدونية مصاحبة وتمزقاته ،وهي نصوص اختيرت بعناية من قبل
لعدد كبير من كتابات الرحلة والكتابات التي تناولت أمينة رشيد لتعكس جانبًا كبي ًرا في الوقت نفسه
من التزامها هي ورؤيتها حول العالم؛ مثل رواية
صورة الشرق. «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي ،ورواية «الباب
وامتدا ًدا للعمل داخل حقل الدراسات المقارنة، المفتوح» للطيفة الزيات ،ونصوص لكتاب آخرين،
جاءت الترجمة لتشكل جانبًا جوهر ًّيا من جوانب
الوساطة في حياة أمينة رشيد ،حيث قامت بترجمة من أمثال :ألبير قصيري وجون شتاينبك.
عدد من الأعمال من الفرنسية إلى العربية والعكس، وكان مجال الدراسات المقارنة بالنسبة إلى أمينة
ومثلها مثل نصوص أبحاثها عكست ترجماتها رشيد مجا ًل خصبًا ومعينًا في فهم صورة العلاقة
جز ًءا من فكرة الالتزام عندها ،وجز ًءا من محاولة بين الأنا (الشرقية) والآخر (الغربي) ،كما يعكسها
تقديم صورة للعلاقة بين الشرق والغرب ،ومواطن ويصورها الأدب« ،وعندما يلتزم الأدب المقارن
بالدراسات الدقيقة ،متجاو ًزا الأفكار المسبقة ومتجها
الصراع بينهما. نحو المعرفة العلمية ،ينفي إشكالية الأدب المقارن
وعبر الوساطة استطاعت أمينة رشيد أن تجعل هذه بوصفه كل شيء أو إشكالية الأدب المقارن بوصفه
الفكرة صورة معبرة عن توجهاتها ورؤيتها للعالم، لا شيء ،فيصبح الأدب المقارن منه ًجا لاستخراج
عمومية المبادئ والمفاهيم ،وخصوصية النصوص
وساطة صنعت تاري ًخا لناقدة وباحثة ومناضلة والشعوب ،واللغات والأفراد ،ليثبت أن الإنسان
ومثقفة ملتزمة ،سعت أن تكون آراؤها منعكسة وإبداعه الأدبي في كل مكان واحد ومتغير في آن»(.)9
وقد أكدت ضرورة الاستيعاب العميق لمجموعة
في كل أفعالها ،ولا تفصل بين إيديولوجيتها من المفاهيم التي ستساهم في فهم تكوين صورة
وممارستها العملية في الحياة ،وحاولت بقدر الآخر وعلاقتها بالأنا ،ومن هذه المفاهيم مفهوم
استطاعتها أن تنقل هذا المبدأ إلى محيطها الذي شمل
الأصدقاء والتلاميذ والعائلة