Page 275 - m
P. 275

‫‪273‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

    ‫المعيشة قد أسس لفرا ٍغ سردي‬                           ‫ريهام عياد‬                ‫لوحة بلون واحد‪ ،‬صعب ُتبهرنا‪،‬‬
 ‫داخل الرواية‪ ،‬كان يحتاج إلى مزي ٍد‬                                                    ‫ومقطوعة من نغمة واحدة لن‬
 ‫من اللوحات الحكائية‪ ،‬أو التفسير‪،‬‬               ‫وإبراهيم يصلي ويصوم‪ ،‬لكنه‬                        ‫تلامس أرواحنا»‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬سلبية جميع الشخصيات‬               ‫ينطلق في إيثاره للآخرين من طبيعة‬
 ‫التي سحقها «يعقوب» في صعوده‪،‬‬                                                        ‫لكن الراوي كان ُيعبِّر عن بعض‬
 ‫وابتعادها عن مطاردته أو الانتقام‬              ‫شخصية تحب العمل والإتقان‪،‬‬            ‫المواقف والانتقالات الهامة بسرد‬
 ‫منه كإبراهيم وفايز وهنية‪ ،‬بل إن‬               ‫ومثله شخصيتان أخريان هما‪:‬‬
‫«هنية» التي نالها القسط الأكبر من‬          ‫«هنية» وأخوها «فايز» اللذان تتخبط‬          ‫تقريرى‪ ،‬وليس تصوير ًّيا مثل‬
                                               ‫بهما الأحوال‪ ،‬فقط لسذاجتهما‪.‬‬             ‫حديثه عن الخلاف العاطفي‬
    ‫العقاب ف َّضلت استخدام وسيلة‬              ‫وعلى طرف ثالث «يعقوب» الذي‬
 ‫الرسم للتعبير عن مأساتها‪ .‬إفلاته‬             ‫يفعل ذلك؛ ليحتال على الآخرين‪،‬‬        ‫والروحي بين هنية ويعقوب‪ ،‬منها‬
                                                                                    ‫مث ًل ص‪« :33‬فوق سرير واحد‪،‬‬
   ‫أي ًضا من ألسنة أبناء القرية عن‬                 ‫ويوظفهم لتحقيق مراميه‪.‬‬             ‫تحت غطاء واحد‪ ،‬النبض واحد‬
    ‫ثرائه غير المبرر‪ ،‬أو من الطبقة‬         ‫لكن َتح ُّول الدين إلى وسيلة للعقا ِب‬   ‫والأحلام شديدة الاختلاف»‪ .‬وفي‬
‫الحاكمة‪ ،‬ومراقبتها للجميع رغبة في‬                                                    ‫الفصل (‪ )6‬ص‪ 104‬حين يغادر‬
                                              ‫الجماعي لم ي َحدث في الرواية إلا‬     ‫إسكندر وأسرته مصر‪ ،‬إذ يتحكم‬
             ‫السيطرة والتخويف‪.‬‬                  ‫بعد يوليو ‪ ،1956‬إذ قام جهاز‬
    ‫وعلى مستوى الضمير الشعبى‬                                                      ‫صوت الراوي بالحدث دون إطلاق‬
   ‫تحضر شخصية وحيدة تقترب‬                    ‫الأمن بتلفيق ُتهمة لـ»سارة» ابنة‬     ‫مشاعر الألم والذكريات التي ترتبط‬
  ‫في تركيبتها النفسية من المتدينين‬          ‫«إسكندر»؛ لإجبار أبيها على توقيع‬
‫الأوائل‪ ،‬وإن لم تتجاوز عتبة جامع‬                                                                       ‫بكل رحيل‪.‬‬
   ‫أو كنيسة‪ ،‬ولم تحضر خطبة أو‬                    ‫خروج نهائي من مصر دون‬
  ‫ق َّدا ًسا واح ًدا‪ .‬إنه «عطا الله» الذي‬      ‫عودة‪ ،‬ويخبرنا السارد أن ذلك‬        ‫الأديان كطقس‪ ،‬وكوسيلة‬
  ‫يقول عنه الآخرون «عبي ًطا»؛ لأنه‬          ‫حدث ليهو ٍد غيره‪ ،‬وبنفس الطريقة‬           ‫للاستبعاد أي ًضا‬
    ‫بلا أطماع ولا طموحات‪ ،‬يربي‬
   ‫قط ًطا‪ ،‬ويعيش هائ ًما ووحي ًدا في‬                                ‫تقريبًا‪.‬‬      ‫ما يلفت النظر في الرواية الصادرة‬
‫عالمه الخاص‪ ،‬ثم يترك بلدته؛ كي لا‬          ‫هذا العداء ترافق مع حالة أخرى من‬             ‫عن سلسلة «كتابات جديدة»‬
 ‫يقف عائ ًقا أمام أبنائه‪ ،‬ويتحول في‬
  ‫نظر أهل القرية التي انتقل للعيش‬            ‫صعود طبقة فقيرة إلى قمة الثراء‬        ‫بالهيئة المصرية العامة للكتاب؛ أن‬
                                               ‫حتى بوسائل غير مشروعة‪ ،‬أو‬          ‫التمايز الديني لم يشغل الأشخاص‬
      ‫على أطرافها إلى رجل مبارك‪.‬‬
‫وأخي ًرا‪ :‬تقارب الرواية منطقة مهمة‬          ‫خصو ًصا بوجودها‪ .‬ويبدو أن هذا‬             ‫العاديين في تعاملاتهم اليومية‪،‬‬
                                             ‫وإن كان له ما يعززه من الوقائع‬       ‫فـ»إبراهيم» رج ٌل ُمسل ٌم يعمل لدى‬
    ‫من تاريخ مصر‪ُ ،‬تر ِّكز أحداثها‬                                                 ‫أسرة يهودية في أربعينيات القرن‬
     ‫على التحول في مصائر الناس‪،‬‬
 ‫ويسيطر صوت السارد العليم على‬                                                        ‫العشرين دون أي اشتباك ديني‬
   ‫الأحداث‪ ،‬ومساراتها مع التركيز‬                                                    ‫ولو من خلال حوار‪ ،‬أو مونولج‬
  ‫في النهاية على صوت آخر يقارب‬                                                     ‫داخلي‪ ،‬بل يجلب للعمل معه أي ًضا‬
‫نبرة الاعتراف بالخطايا؛ في محاولة‬                                                 ‫زو ًجا وزوجة مسيحيين من قريته‬
    ‫رسم مصائر أبطا ٍل هم ضحايا‬                                                       ‫بمحافظة أسيوط هما «يعقوب»‬
      ‫التحولات‪ ،‬والقهر السياسي‪،‬‬
  ‫و ِحيل الدهاة أكثر مما هم ضحايا‬                                                      ‫و»هنية»‪ ،‬فيصبح البيت مق ًّرا‬
     ‫اختياراتهم الفردية‪ ،‬وأعمالهم‬                                                                  ‫للأديان الثلاثة‪.‬‬

                        ‫الخاصة‬                                                     ‫اللافت أي ًضا أن الممارسات الدينية‬
                                                                                     ‫كانت طقوسية‪ ،‬فإسكندر يؤدى‬
                                                                                      ‫طقوسه أمام الحاخام دون أن‬
                                                                                      ‫يمنعه ذلك من ممارسة نزواته‬
                                                                                     ‫في الشرب ومرافقة فتيات الليل‪،‬‬
   270   271   272   273   274   275   276