Page 270 - m
P. 270

‫شفرات الشخصيات‪ ،‬فلقد اكتفى‬         ‫لم يحضر عنصر الزمان بمفهومه‬
      ‫ببضع كلمات بسيطة جاءت‬         ‫التقليدي كأمل للتخلص من مرارة‬
     ‫كعبارات مفتاحية للاستدلال‬      ‫الواقع أو كما ٍض يستغرق أبطاله‬
     ‫عن أنماط الشخصية كالمثال‬      ‫في البكاء على أطلاله‪ ،‬ولكنه تحلى‬
                                     ‫بالعملية كشخوص العمل‪ ،‬فما‬
   ‫التالي‪« :‬لا شيء يرضي غرور‬        ‫قد فات فات ولا يمكن استرجاعه‪،‬‬
      ‫السعيد قدر استخدامه كيد‬      ‫فأبطال العمل يرزحون في العمل‬
                                    ‫عو ًضا عن الاستغراق في الماضي‬
    ‫رئيسه القذرة»‪« ،‬ليس لنيفين‬      ‫مع تأكدهم أنه سيلتهم الحاضر‬
   ‫حياة خارج هذا المبني»‪ ،‬امتدت‬     ‫كما التهم الماضي‪ ،‬بيد أن سيف‬
                                    ‫الاستمتاع بما هو متب ٍق ما ٍض ولا‬
     ‫هذه السيميائية في الجمل إلى‬
  ‫عنصر المكان فنجد فقرة شديدة‬                 ‫يمكن توقيفه‪.‬‬

    ‫التكثيف ذات عبارات قصيرة‬           ‫أم ًل في أن تحتفظ لها بالوفاء‬          ‫الوجودية سوا ًء من جانب‬
   ‫لإعطاء ملمح عام عن تميز هذا‬     ‫وحتى أكثر الأشخاص دناءة يجد‬           ‫الشخوص وما يؤمنون به وما‬

     ‫المكان دون غيره‪« :‬كل شيء‬         ‫ما يمرر له قذارة أفعاله‪ ،‬فنحن‬          ‫يسعون لتحقيقه من أفعال‬
   ‫يختلف في مكتب رئيس مجلس‬            ‫بصدد شخوص روائية شديدة‬              ‫صالحة أو طالحة‪ ،‬أو حتى في‬
                                   ‫الثراء والتعقيد تستلهم اليوتيوبيا‬        ‫ردود أفعالهم المتوقعة وغير‬
     ‫الإدارة‪ ،‬معطر الجو‪ ،‬الشباك‬       ‫التي تطمح إليها مما هو متاح‪،‬‬
‫الوحيد بالمبنى يوجد هنا‪ ،‬الإضاءة‬      ‫ولا تتعامل مع الواقع كمحض‬              ‫المتوقعة‪ ،‬فأبطال الرواية لا‬
                                   ‫ديستوبيا خربة لا يمكن إصلاحها‬         ‫يحدوهم عن إنجاز ما يريدونه‬
  ‫الصفراء غير المباشرة‪ ،‬مجسات‬                                              ‫شيئًا ولا يتورعون عن نسف‬
  ‫الحريق المنزوعة لتتيح لسيادته‬         ‫بل يمكن الاستفادة منها إلى‬
                                                     ‫الرمق الأخير‪.‬‬          ‫قوالبهم المعتادة في سبيل ما‬
     ‫التدخين دون إطلاق صافرة‬                                           ‫يرونه لصالح مستقبلهم أو راحة‬
     ‫الإنذار‪ ،‬الموسيقا الكلاسيكية‬  ‫سيميائية الزمان والمكان‬
   ‫الهادئة‪ ،‬المشجب الخشبي الذي‬                                           ‫بالهم‪ ،‬فنجد إحدى البطلات قد‬
 ‫يحمل كنزته الإيطالية‪ ،‬عطر «تار‬        ‫بما أننا إزاء كاتب خبر الحياة‬        ‫سرقت عط ًرا لكي تستخدمه‬
   ‫هرمس» الذي يحيط به كهالات‬       ‫العملية والاجتماعية بكل تنوعاتها‬
   ‫القديسين‪ ،»..‬كما جاءت أسماء‬                                         ‫لغواية عشيقها فيشعر هو بالذنب‬
  ‫الفصول توضيحية إلى حد كبير‬           ‫وأنماطها‪ ،‬فلقد جاءت إشاراته‬     ‫فيتورط في إيجاد عمل لها‪ ،‬ونجد‬
      ‫تشير إلى ماهية حدث بعينه‬           ‫لمَّاحة لا تحتاج إلى عناء فك‬  ‫بطلة تقضي كل شهورها الأخيرة‬
 ‫كـ»وفاة زميل» و»يوم التنظيف»‬
   ‫و»مهزلة قاعة رأس غارب» أو‬                                               ‫في تدريب موظفة لديها نها ًرا‬
‫تعريفية بأحد الشخوص كـ»عماد‬                                              ‫وقضاء المساء بطوله بصحبتها‬
  ‫مدير المشتريات» و»إلهام زوجة‬
      ‫السعيد» و»مسؤول التغذية‬
  ‫بالمطبخ»‪ ،‬وحملت بعض عناوين‬
     ‫الفصول إشارات رمزية كما‬
     ‫بفصل «عنكبوتان وذبابتان»‬
  ‫بيد أنها إشارات ليست غامضة‬
  ‫يمكن تفسيرها بسهولة لمن يقرأ‬

       ‫شخصيات العمل بتركيز‪.‬‬
‫لم يحضر عنصر الزمان بمفهومه‬
‫التقليدي كأمل للتخلص من مرارة‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275