Page 265 - m
P. 265

‫‪263‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫«سوبرانو» قيا َم ُة‬

                                   ‫د‪ِ.‬إ ْشراقة «ال َحنين»‬

                                                                 ‫ُمصطفى حا ِمد‬

                                                                        ‫(النمسا)‬

         ‫يملّكنا مفاتيح ما حدث؟‬         ‫صندو ٌق أول‪:‬‬                            ‫على غي ِر المتو ّق ِع أ ْن أك ُت َب‬
     ‫كم استفزت طفولتي مشاهد‬
  ‫الأعمال الشاقة‪ ،‬التهميش الذي‬     ‫صندوق التنوع الذي أنتظ ُر يومه‬              ‫َع ْن الرواي ِة َوتفاصي ِل أم ِك َنتِها‬
‫كنت أح ّسه في ذلك الوقت‪ ،‬النظرة‬        ‫بفار ِغ الصبر‪ ،‬صب ُر طفل ٍة لم‬        ‫وحبكتِها وأز ِمنتِها‪ ،‬لكنّي أنسا ُق‬
 ‫المتعالية من البعض نحوهم وهم‬
                                   ‫تتجاوز السابعة من عمرها‪ ..‬ش ّم‬                ‫طيّعة نح َو صنادي ِق الذا ِكرة‬
              ‫ليس سوى نحن!!‬          ‫النسيم‪ :‬انتظرهم نسا ًء ورجا ًل‬         ‫البعيد ِة َوالقريب ِة‪ .‬الصنادي ُق التي‬
   ‫لمع ْت عيناي الصغيرتان اللتان‬      ‫وأطفا ًل تبرق عيونهم بالأمل‪،‬‬          ‫ملكت مفاتيحها فضاءات الرواية‬
‫نافستا الحرباء في تراكيب عينيها‪،‬‬    ‫في قامة الشجر‪ ،‬أقدامهم تضرب‬             ‫التي ما فتئت تفت ُح صندو ًقا وراء‬
   ‫ألتقط تلك التفاصيل التي ظلّت‬      ‫على الأرض بفر ٍح كم أثا َر غبار‬
  ‫في ذاكرتي‪ ،‬مبتهجة باجتراحات‬                                                  ‫آخر حتى لم يب َق في صنادي ِق‬
    ‫الأسئلة التي لم يجبني عليها‬    ‫الحياة المفرحة في عمري الصغير‪.‬‬            ‫الذاكر ِة (سحارة) واحدة أحتف ُظ‬
    ‫أحد في ذلك العمر‪ .‬اجتراحات‬        ‫الريش الملون يز ّين رؤوسهم‪،‬‬
‫ُتزهر كلّما قادتني أقدامي لساحة‬        ‫رقصاتهم وأهازيجهم بلغا ِت‬                        ‫فيها بسر (الزعيم)‪.‬‬
                                                                            ‫ف ُّن الحكاية في سوبرانو القيامة‪،‬‬
      ‫الرقص‪ ،‬هناك حيث تعلّمت‬        ‫فطر ِة القلب‪ ،‬شجن الروح‪ .‬تفرح‬          ‫لغتها‪ ،‬اللغة الأمل‪ ،‬الألم‪ ،‬الأهازيج‪،‬‬
   ‫س ّر انتفاضات الجسد المف ّصد‬     ‫طفولتنا (بحلاوة قطن)‪ ،‬بالهدايا‬           ‫التراتيل‪ ،‬حكايات الحبوبات و‪..‬‬
  ‫بالرحيل‪ ،‬النزوح‪ ،‬سوء التغذية‬       ‫الصغيرة التي ُق ّدمت لنا مملّحة‬
‫وإهمال السلطات وعبث السلطان‪.‬‬                                                   ‫الثلاثين عام‪ .‬لم أظل في مكان‬
                                      ‫بدمع السؤال الذي تبرع َم مع‬            ‫واحد‪ ،‬إذ استطا َع الروائي آرثر‬
      ‫صندو ٌق ثا ٍن‪:‬‬                 ‫سنوات عمري قبل أن أجد ر ًّدا‬            ‫غابرييل ياك أن يثير الكثير من‬
                                    ‫على أسئلتي البريئة‪ .‬في يوم ش ّم‬        ‫الأسئلة‪ ،‬الأسئلة التي عبّر ْت عنها‬
  ‫كبر ْت تلك الأسئلة‪ ،‬كبر ْت معي‪،‬‬     ‫النسيم تتل ّون المدينة بزركش ِة‬        ‫أحلا ُم الفقراء‪ ،‬المفقرين ليس في‬
‫أقلق ْت مضجعي وفتح ْت صنادي َق‬       ‫الملابس‪ ،‬بفرقع ِة بالونا ِت الفرح‬        ‫جنوب السودان ولا في شماله‬
                                    ‫الراقصة‪ ،‬المنتفضة‪ ،‬الثائرة ليوم‬          ‫ولكن في ك ّل الأمكنة التي عادلت‬
     ‫المسكو ِت عنه‪ ،‬صندو ٌق وراء‬   ‫لقا ِء (الزعيم) الذي انتظرت ُه كثي ًرا‬    ‫قسمة كعكة السلطة‪ ،‬السلطة في‬
    ‫صندوق‪ ،‬وكم كانت المواجهة‬          ‫وحين أتي (حدس ما حدس)‪.‬‬                  ‫كل البلا ِد التي لها ذا ُت الملامح‬
                                     ‫‪ -‬كيف يكون الأدب أد ًبا إِ ْن لم‬
                                                                               ‫وذا ُت الألم وذا ُت الأمل وذا ُت‬
                                                                                          ‫سوبرانو القيامة‪.‬‬
   260   261   262   263   264   265   266   267   268   269   270